الإعتصام وإكذوبة الإصلاح

 

الاعتصام هو مظهر احتجاجي ضد سياسة ما عن طريق الاحتلال السلمي لمكان أو مقر يرمز إلى الجهة التي تمارس السياسة موضع الاحتجاج . وكثيرا ما تلجأ الجماعات المعتصمة إلى التقدم بمطالبها و شعاراتها لأجهزة الإعلام و إشعار الرأي العام بأهدافها عن طريق الصحافة و أجهزة الإعلام. وقد شاع هذا النوع من الاحتجاج في الولايات المتحدة و لاسيما ضد سياسة التفرقة العنصرية في الأماكن العامة كالمطاعم ,الأمر الذي كان يلحق الضرر المادي بالمؤسسات المعنية. وهو امر حضاري جدا وخاضع لسيطرة القانون الدولي وهذا ماحصل في العراق قبل ايام ولم يلجأ العراقيون الى هذا الاسلوب الا بعد التسويف والتلوي في قضايا الإصلاح والتي خرج معظم الشعب العراقي متظاهرا للمطالبة بها الا ان السلطات العراقية والكــــتل السياسية لم تأخذ هذا المطالب بالجدية المطلقة وانما اخذتها على نحو تخديري للشعب والاستهانة برأي الشــعب الذي هو مسؤول بدوره على وصول هؤلاء السفلة الى منصة الحكم.

لذلك فقد نظّم مئات من العراقيين تظاهرات في يوم السبت 19 من اذار 2016  خارج المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد للمطالبة باتخاذ إجراءات للقضاء على الفساد، امتثالاً لدعوة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر ، وهذه التظاهرات هي امتداد لاحتجاجات واسعة عمّت العراق، منذ 2014  وتناوبت في وتيرتها، رافعة ً شعارات القضاء على الفساد وتحسين الأداء الحكومي، وتوفير الخدمات.

إلا  انّ المراقب للوضع الراهن ، يرى في خضم تحشيد الشارع، غيابا لآليات الإصلاح، حتى عند الجهات التي تطالب بالتغيير، إذ لا يكفي إنزال الاتباع في الشارع والاعتصام، إلاّ باعتباره وسيلة ضغط، ربما ستؤدي وظيفتها في التغيير، لكنها لن تستطيع انْ تضمن مستقبلا أفضل من الوضع الحالي لغياب المنهج، والافتقاد إلى الرؤية الواضحة، في أجندة الإصلاح المستقبلية ، وفي حين تبدو الاعتصامات منضبطة إلى الآن، غير انّ لا أحد يستطيع التكهّن بمستقبلها، كما لا يمكن الجزم بما ستؤول اليه احتجاجات بدت “ارتجالية” يغلب عليها الحماس الثوري، أكثر من المنهج العملي

كما يفترض انّ الحكومة قد استجابت لنداءات الإصلاح والتغيير وقررت حل نفسها، دون هذه المهاترات الاستهزاء بالشعب ، لاسيما وانّ المطالبين بالإصلاح، هم مشاركون أساسيون في العملية السياسية، مثلما انّ أعدادت كبيرة من المحتجين هم موظفون في المؤسسات الحكومية، ومشاركون في أداء الدولة ومؤسساتها بالمجمل العام الكلي، وبالتالي فانهم جزء من الحالة العامة التي يثورون عليها.

ولكي لا يكون الضباب هو الصورة التي تسقط عليها أعين العراقيين، فانّ قيادة البلاد الى المجهول على وقع الحماسة المتهوّرة، والارتجالية، سوف تؤول إلى وضع أسوأ مما عليه العراق  الان ، بل انّ تهييج الشارع على نحو ينذر بالفوضى، يبدو اليوم أمراً سهلا، لكنه في النهاية سيؤول إلى مارد يخرج من القمقم وسيكون من الصعب إرجاعه اليه، ليؤول الأمر إلى انهيار في المؤسسات، وفوضى في الأمن، تنعكس بنتائجها على جبهات القتال ،ولا يختلف أحد في انّ حكومة العبادي بوزرائها من مختلف الأحزاب والكتل السياسية حتى التي تمعن في التأليب على الاحتجاج، مسؤولة عما حدث ويحدث، ولا يمكن إطلاق صفة الفساد والتعثر في الأداء الحكومي على فصيل دون غيره، ذلك انّ الجميع مشترك فيه، من دون استثناء ، وعلى ضوء ذلك، فانّ كل حزب أو كتلة سياسية لها وزير في الحكومة، بل وكيل وزير، بل وحتى مسؤول، هي جزء من الحالة التي تتحكّم في البلاد بسلبها وإيجابها. في الجانب المقابل للمنظمة الحكومية، وأطرافها سواء التي انشقّت عنها أو مازالت متمسّكة بها، يتساءل المواطن العراقي، عن دور المرجعية الدينية، التي أبكرت في دعوات الإصلاح وتحديث وسائل العمل الحكومي، ولم تجد دعواتها، آذانا صاغية ، في هذا الصدد، فانّ نسق الأحداث، ومتابعة رؤى المرجعية، يشير الى ان المرجعية لم تهمّش نفسها عن سياق الأحداث كما يروج البعض لذلك.

لكنها رأت انّ دعواتها لم تُستثمر من قبل جميع الجهات ذات الصلة، التنفيذية منها والتشريعية، بل انّ دعواتها لم تجد سوى استجابة “شكلية”، من قبل جميع الأحزاب ، لكن هذا لا يعني انّ المرجعية سوف تكون غائبة في اللحظة المناسبة التي يتطلب فيها مجرى الأحداث موقفا تاريخيا مفصليا يصحح الأوضاع ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. وفي خضم تصاعد لهجة الاقتحام والاعتصام المنذر بالفوضى، فانّ الحل يكمن في تجاوز “التردّد”، من الحكومة، أولاً، ومن الكتل السياسية والأحزاب وأنْ يدوس الجميع على مصالحه الخاصة بأقدامه، قبل ان تدوسها أقدام المتظاهرين، وانْ تُعتمد خارطة طريق وضعت خطوطها المرجعية الدينية، وينسج تفاصيلها، أكاديميون وأصحاب اختصاص، في تجاوز للخطوط الطائفية والقومية والاثنية.

وهذا وفي ظروف بالغة التعقيد السياسي وحتى الاقتصادي، فانّ رجل المرحلة، وحزبها، وقطبها هو ذلك الذي يتخلّى عن وضعه “المريح” الخاص، ويضحّي بمصالحه لصالح العالم، لكي يتحمّل أعباء المرحلة، لينال رضا الشعب.

أما التحرّك ضمن طوائف وإقطاعيات كما هو المعتاد، فلن يؤول الا إلى انهيار للعملية السياسية، الى حد يصعب تداركه ويؤدي الى نزاعات حزبية طائفية سوف تستمر لسنوات ، ويمكن إدراك مخاطر ذلك، بما تروّج له وسائل اعلام محلية وعربية من حرب “شيعية شيعية”، قادمة، مسخّرة الوعي السياسي الغافل عما يدور حوله، والانسياق وراء المشاريع التي تضخّم طرفت سياسي، على حساب آخر، والإيحاء بانه القادر على التثوير والتغيير، من دون الحاجة إلى احد. لقد مضى نصْب خيام الاعتصام، على رسلِهِ، من دون اضطراب أمنى، لكن لا أحد يضمن المستقبل، في ظل ارتفاع وتيرة الانحباس السياسي، ووضع القوى السياسية لنفسها في نقاط حرجة، فقدت فيها ديناميكية الحركة.

وإذا كانت دعوات (حيدر العبادي) ، إلى الاحتكام إلى الدستور في التظاهر، وحرية التعبير، وتأكيده الدور الإيجابي للقوات الأمنية في حماية المتظاهرين، كمظهر من مظاهر التهدئة، الا ان هذه التهدئة في الشارع لن تظل كما هي اذا لم تتزامن معها تهدئة سياسية، لنزل فتيل نزاع سياسي خطير يتهدد العملية السياسية، واذا كان الكثير من المحتجين، واضحي الوجوه، وأهدافهم وطنية خالصة، فانّ بينهم كثيرين ممّن ارتدوا أقنعة، تخفي وراءها أهدافا مدفوعة الثمن، ومن هنا يأتي الحذر من أي فعالية تؤدي إلى انزلاق للصدام..

لقد وصلت المجاميع المتظاهرة ، إلى مداخل المنطقة الخضراء، واجتازت الحواجز الإسمنتية، في جسري  السنك والجمهورية ، وكان أعداء العراق والمتربصون بتجربته السياسية، يعتقدون أن تلك اللحظة هي بداية فتيل الحرب الداخلية، لكن أسقِط بأيديهم، وتحولت أمنياتهم إلى أضغاث أحلام، لكن هذا التفاعل الإيجابي يحتاج إلى تعزيز خطوات الثقة بين الأطراف، والاتفاق على برنامج شامل للإصلاح، قبل ان تحدث تفاعلات جانبية لا يمكن السيطرة عليها. لكن الخوف كل الخوف من مابعد الاعتصامات كون الاطراف كلها تشهد توترا حادا جدا مع حالة من السكون والترقب وبطبيعة الحال فإن الهدوء يسبق العاصفة وخصوصاً بعد دخول مقتدى الصدر الى المنطقة الخضراء معتصم في خيمة الا ان بعض السياسيين الفاسدين قد اعلنوا الاعتصام ايضا وهذه الحركة ماهي الا وشاح جديد يتشح به البعض للتستر على نفسه مما فعله من فساد كما هو واضح الان ، وهذا الامر ادى تخلل في التحالف الوطني الشيعي ، فالاطراف الشيعية أكثر توترا واضطرابا وسيؤدي هذا الى التشتت في البيت الواحد بعدما اصبح الجمهور الشيعي على علم تام بهذه المهازل والألاعيب المغطاة بالمذهبية والحفاظ على قدسية العقيدة ، وبدأ يفقه اللعبة التي تخططها دول الجوار للكيد كل الكيد من العراق بمساعدة السياسيين الراضخين لهم عبر اكثر من 13 سنة مضت لم يكن فيها خاسر سوى الشعب العراقي الذي هو مغلوب على امره ومخدوع بالشعارات الدينية الرنانة والتي بعدت الله اكثر من ان تقربه بما تركته من صدى يجوب في اذهان المحرومين وابناء الضحايا واباؤهم

ها هي المدة انتهت وانقضى الاعتصام بعد ان وعدت الحكومة بالاصلاحات الجادة لكن وحتى الان لم نر شيئا ملموسا من هذا الاصلاح الذي هو مجرد اكذوبة يراد بها تهدئة الشارع العراقي الغاضب ، وحسب النتائج المبينة ان العراق لم ولن يحصل فيه اي اصلاح مطلقا لان الاصلاح لايصب في مصلحة الكتل السياسية التي همها الوحيد هو نهب خيرات العراق واذلال المواطن بأي وسيلة كانت وعليه فإن التنظير يحتم على ان الاصلاح الحقيقة لايتم الا بأنقلاب واع ومثقف يمحق جميع ماجاء به الإسلام السياسي القائم من مزايا سلبية اردت الواقع العراقي الى ماضيه المتخلف والصراعات الوهمية والتي لايراد بها الا شرعنة النزف والطائفية بأعتبار العراق مقسم لجبهتين اساسيتين الاولى متمثلة بأيران ، والاخرى متمثلة بالسعودية ودول الخليج ، فضلا عن الاتفاقية العراقية الامريكية التي ساعدت على فقد السيادة العراقية تماماً وجعله مجرد لعبة بيد السياسة الامريكية لتتمكن من سلب خيراته من خلال اشغال الشعب بالقتل والترهيب والقمع والتهجير من خلال هذه الكتل السياسية العميلة الخائنة للوطن وللإنسانية.