قرّاء العالم في عيون قرّائنا

  

 كثيراً ما نقرأ ما قال أرسطو في عبارته السحرية: ” قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت ” غير مكترثين بقصديتها العميقة الدالة على أكثر من اصطلاح. بيد أن المتأمل للعالم القروي الصغير هذه الأيام سيكتشف مدى فاعلية القراءة وتأثيرها في مناحي الحياة المختلفة زيادة على دخولها أدق تفاصيل الجدول اليومي للإنسان المعاصر. ففي الاحصائيات الأخيرة التي أجريت حول القراءة على المستوى العالمي تبين أن المواطن الأمريكي يقرأ بما يعادل مجموع قراءة 200  مواطن عربي، فيما أشارت نتائج إحدى مسابقات القراءة التي أجريت في عموم القارة الأوربية الى أن الفائز الأول بالجائزة انتهى من قراءة 90  كتاباً خلال عام واحد.

يكفي أن تستقل المترو المائي الواصل بين لندن وباريس أو أن تحجز مقعدك على أحد خطوط النقل الجوية بين طوكيو وموسكو لترى بأم عينك كتب الجيب بأيدي المسافرين المنهمكين بالمطالعة المفيدة استثماراً للرحلة. ليس هذا غريباً طبعاً، لكن المثير للدهشة، أن القانون الرسمي في البرازيل يقضي بخصم 30  يوماً من مدة حكم السجين في حال اكماله قراءة ثلاثة كتب كل شهر. لا شك أن المقارنة البسيطة بين الشرق والغرب مؤلمة وصادمة وليست مجرد كاشفة لمواطن الخلل وأسباب الركود، وهذا ما يعزز من منسوب التشاؤم بالنسبة للمتشائمين على أقل تقدير والذين أتمنى أن لا أكون احدهم . ثمة جوانب مضيئة على الطرف الآخر من المعادلة، ولنأخذ – على سبيل المثال – سوق الكتب في شارع المتنبي ببغداد الذي شهد انتعاشاً غير معهود في الأعوام الأخيرة وصار ملتقى أسبوعياً لمختلف وجوه المجتمع العراقي وليس لهواة الكتب فحسب، وبذلك هم يوجهون ضربات قاضية متتالية للظلاميين الذين حاولوا اسكات الوعي الثقافي عام 2007  يومها قرأ شعراء بغداد بياناً استنكارياً هاماً في مكان الجريمة وبعد مرور أقل من 24  ساعة على حدوث التفجير. نعم، ما زالت بغداد تقرأ ما تكتب القاهرة وما تطبع بيروت. أسوق هذه الأمثلة السريعة ساعياً للإشادة بمشروع (نادي القرّاء) الذي أطلقه عدد من مثقفي مدينة العلم ممن يؤمنون بفكرة التنوير والبحث عن مستقبل ثقافي واعٍ لمدينتهم التي تستحق الخلاص من هيمنة التقليد واللحاق بركب العالم الالكتروني الجديد. هؤلاء الشباب الواثقون من عقولهم يمتلكون من إرادة التغيير الكثير، وهم عازمون على تطوير مفردات المعرفة وشرعنة الكتاب في كل بيت ليتصدر الرفوف العالية بدلاً من الكؤوس وأطباق الطعام، وحسبهم في مشوارهم ليس النجاح وحده، إنما محاولة رد الاعتبار للكتاب الذي قال عنه الجاحظ: (إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوَّد بيانك، وفخَّم ألفاظك، وعمَّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك).