مكاتيب عراقية.. مطرٌ بخاصرة نيسان

 

زخّةُ مطرٍ رحيمةٍ ترقص فوق تسريحة الأسفلت . يبدو المنظر مثل حفلة مبكرة بأنفاس ورد الياسمين وتقديح اللوز الأخضر . أستوطنُ الليلة شرفةً تطلّ على جسد الزقاق الصغير . مقترح مثلوم لرومانسية مجّانية ، يشبه استعادة موفقة لأُغنية عتيقة . مباغتات جديدة تطفو على جسد الليلة . قطط الزقاق يهجرنَ حاوية الزبل ويتطوّحنَ خلفَ الستر وتحت العرائش . نعمة شباط اللباط تتهاطل عليهنَّ وهنّ بالعشرة الثانية من نيسان . ألعدالة تتحقق بصورة بهية ، والرجل الأشيب يخيّم الآن بباب الحاوية ، وكيسهُ الأسود يفتحُ حلقهُ ويصيح هل من زجاجة فارغة أو علبة ألمنيومٍ عزيزة ، ستصير رغيف خبزٍ حلالٍ لصباح العائلة .
سنشرّقُ شرقاً ونغرّبُ غرباً ونستعيد أثاث حانةٍ عطنةٍ مثل مبولةٍ منسية . طاولة الصعلوك الجميل جان دمّو فقيرة ، وكرسيّها يكاد يقف على عرَجٍ مبين . إسم الحانة روافد دجلة ، وتلك فرصة لجان كي يقنص ضحكةً عزيزة على إسمٍ بغير مسمّى . زجاج الحان مغبرّ ووسخ ، لكنه يسمح بمشاهدة الكائنات الضجرة وهي تنطر غيبة الباص الأحمر ، الذي سيتمايل بعد قليل ويأكل من قوس الرصيف نصفَهُ . الساحة اسمها ساحة النصر ومن دالّاتها تمثال الشريف عبد المحسن السعدون ، وهذه منحة سماوية أخرى لإنتاج ضحكة جانوية مقموعة ، حيث البلاد ما زالت مثل جثة تحاول مسح طين الهزيمة من على وجهها .
يأتي حسن النواب وكزار حنتوش ونصيف الناصري ، فيرشُّ عليهم الأب الروحي جان ، ما تيسّر فوق لسانه من خليع وبديع الكلام ، فتصير الحانة قهقهة عملاقة قبل أن يسقط بالكأس سنٌّ منخور من فم القدّيس . لغوة الشعر النبيل أقلّ من ثرثرة الأيام . ألشعراء يستبدلون بهجة النساء الشحيحات ، بنواح أُم كلثوم وهديل فيروز ، وربما بكفخة موّال من سعدي الحلي ، يشتهيه زبونٌ دفّاعٌ مشمورٌ بمؤخرة الحانة ، فيستسيغهُ ويلوكهُ الصعلوك ومريدوه على أمل عشاءٍ مجّانيّ طيب ، سعره تلويحات إعجاب وهزّ رقاب وكأسٌ مرفوعة بصحة سعدي ومدلولة والعشق الأخضر النائم فوق مصطبة الإنتظار .
ستكتمل خرزات المسبحة بظهور رأس عقيل علي من أخير الدرج ، لكنّ الأمر لن يعني شيئاً للعطاشى وتمثال النادل ، فعقيل مكسورةٌ يدهُ ، وليس في جيبهِ سوى دفتر شعرٍ قديم ، وليمونة صفراء كبابِ مقبرةٍ مهجورة .