مقال في الديمقراطية |
مثل كل عصر يحتفل بمنجز له اريد لهذا العصر ان يكون ديمقراطياً تلك الارادة التي فرضت من الغرب بقوة السلاح لتغيير انظمة حكم تعود المجتمع العربي عليها منذ فجر الحضارات فلم يكن للاستعمار ان يفرض نظاماً غير الذي كان يتبعه في مستعمراته وهو نظام الدكتاتورية المستبدة التي وإن تعود عليها المجتمع العربي فقد كانت له صولات عليه ليس للمطالبة بنظام جديد بل لرفع الاستبداد والقسوة التي ادمت افراد الشعب في وقت لم يكن لمفهوم الديمقراطية تطبيق غربي واضح على مستوى الممارسات ولكن كان انبهار المجتمع العربي فيه هو الذي سمح لأصوات ان ترفع شعار الديمقراطية مثلها مثل تلك الاصوات التي اجتاحت المجتمع العربي للمطالبة بالاشتراكية وفي حقيقة الامر إن المجتمع العربي له نسق خاص وخصوصية حاله حال كل مجتمع يمتاز بسمات لا تتشابه مع غيرها من المجتمعات فقد انسلخ هذا المجتمع من قاعدة عشائرية بحكم طبيعة الروابط الاجتماعية التي تعود عليها بل انغمس فيها وأحبها وجاء الدين ليكمل ويقوي تلك الطبيعة من جانبها الاجتماعي على الرغم من رفضه للعصبية القبلية لكن لم يحصل تغيير بمعنى التغيير الحقيقي في طبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع العربي التي افرزت بالنتيجة نظام الحكم يتماشى وتلك الطبيعة والمتابع للتاريخ يكتشف وبسهولة ان نظام الحكم الذي مثله الخليفة كان مقبولاً لأسباب منها: انه جاء بتفويض ديني، وكون الخليفة اخذ البيعة التي تمثل قبول افراد الشعب ممثلين بالولاة وحكام الامصار اضافة لكون الخليفة يرجع نسبه الى قريش المحترمة عند عموم المجتمع العربي وبعد سقوط الخلافة جاء من يحكم وفق النظام القديم بل ان الحكام استعانوا بمن يرشدهم لطبيعة الحكم المناسب والتاريخ يؤكد ان الطاعة كانت تفرض بالقوة وتقبل على اعتبارات طاعة اولي الامر والأكثر من ذلك ان العرب تتفاخر بأنسابها وتفضل ان يحكمها افضلهم نسباً وجاها وتتفاخر بكون الحاكم هو من العشيرة (الفلانية) حتى لو كان ذا سمعة فاسدة والتاريخ يزودنا بكثير منهم لذلك فإن العشيرة تسبق سمعة الفرد وأخلاقه وفي كثير من الاحيان تكون قوة العشيرة هي الفاصل لفرض الحاكم احب العرب هذا النظام وكان لحد بعيد ملائماً لهم ولم يتأثر العرب بمفاهيم الديمقراطية التي كانت موجودة اساسا في الغرب حتى بعد ازدهار الترجمة في عصر الخليفة المامون وطروحات ابن خلدون في شكل الدولة وطبيعة حكم الحاكم لا تذهب بعيدا عما اقوله بل ربما هي تؤكد ما اذهب له لكن السؤال المهم والجوهري هل الديمقراطية تنجح في المجتمع العربي مثلما نجحت في المجتمع الغربي ؟ وللإجابة على هذا السؤال : يجب أولاً ان نفهم طبيعة المجتمع العربي والمجتمع الغربي والمرجعية الاجتماعية لكل منهما في حقيقة الامر المجتمعات الغربية وإن كانت في بادئ امرها مجتمعات قبلية لكنها سرعان ما أصبحت مجتمعات أسرية بمعنى ان المجتمع يتمثل بالأسرة ثم تحول تدريجيا الى مجتمع الفرد واعتقد ان ذلك حصل بفعل عوامل عديدة اهمها عدم تركيز العامل الديني على الفرد إضافة لكون عامل المناخ والطبيعة الجغرافية اللذان حددا التنقل وساعدا على الاستقرار بشكل أو بأخر. وبعد ظهور الثورة الصناعية في مطلع القرن السادس عشر كان على الفرد ان يمثل نفسه ونلاحظ تسرباً واختفاء تدريجياً للعامل الديني وتأثيرات الكنيسة لذلك فإن الفرد الغربي في النظام الديمقراطي يمثل صوته فعلاً مؤثرا في تحديد الحاكم فهو صوت حقيقي ليس له مرجعيات فكرية ودينية بعد ان انسلخ من تلك التركة الكثيفة والمعقدة التي لم تستطع ان تجذبه ولم ينجذب له بل حصل تنافر ادى لطرد الفرد خارج ذلك النطاق الى مجرة بعيدة أما الفرد العربي فهو الابن الشرعي للبيئة التي انجبته وهو يعتقد انها صاحبة الفضل عليه والبيئة عنده يمثلها شيخ العشيرة والقبيلة ورجل الدين تلك الثنائية من الدين والعشيرة لم يخرج منها الفرد العربي ليس لكونه لا يستطيع الخروج بل لكونه يعتقد بها ويحبها ويشعر بالأمان تحت خيمتها، لذلك فإنه يختار وفق هذا النسق ولن يخرج عنه وعندما جاء الغرب لفرض شكل حكمهم الديمقراطي فرح الفرد العربي بالديمقراطية ولكن ارد ان تكون وفق مقاسه بمعنى ديمقراطية عربية وليست غربية صوت الفرد فيها ليس حرا لكنه ينبع من ارادة رجل الدين ورجل العشيرة فالفرد لا يفهم بمقدار ما تفهم العمامة والعقال لذلك حصل الصدام الحقيقي بين ديمقراطية غربية بصوت حقيقي وتمثيل صحيح وديمقراطية عربية بصوت وهمي وتمثيل غير صحيح وكحال العرب في رفضهم لكل جديد فقد رفضوا ان تكون بدلة الحكم الجديدة بأزرار ذهبية لكونها حراماً وأرادوها فضية فهي مقبول عند مشايخهم حتى ان مراكز المدن التي كانت قد تحررت من سلطة العشيرة وتحولت الى سلطة الاسرة. ففي العراق حتى وقت قريب كانت بغداد مثلاً تعرف بأسرها وبيوتاتها وليست عشائرها ولو قدر لها ان تستمر لتحولت الاسرة الى الفرد وعندها يكون التمثيل الديمقراطي صحيحاً . من ذلك ارى ان نظاماً ديمقراطياً لا يصلح إلا بعد تفكيك المجتمع الى ان نصل للفرد صاحب السلطة والإرادة الحقيقة وليست الممنوحة من مرجعيات اخرى. وقد نجح الغرب في تحقيق ذلك وفشل العرب في تحويل سلطة العمامة والعقال الى سلطة الفرد . |