بعد عشر سنوات من سقوط الدكتاتورية ، يعود الكورد ، وبقوة، الى واجهة الصراع السياسي مرة اخرى ، ليحاولوا الدفاع عن حقوقهم القومية ، وليحاولوا في الوقت نفسه منع وقوع العراق مجددا في هاوية السير نحو الفردية في الحكم ، وكذلك ليمنعوا انتهاج اسلوب التهميش مجددا لجوهر القضية الكوردية الذي يتبعه الان بعض من يحكم العراق ، وكأن ما حصل عليه الكورد بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين كان منحة من قبل جهة او حزب او عشيرة او شخص معين للشعب الكوردي ، ومعتقدا "هذا البعض" ان التاريخ سيقف عند النقطة التي هم يريدونها ، او كأن المسألة هي فقط شعارات رنانة ، اكل الدهر عليها وشرب ، وتأكيدهم على محددات غير منطقية للارادة الكوردية ، بل حتى تجاوز دستور البلاد ، واعتماد "اجتهادات" مريضة بشأن ، اجتهادات تنتمي في عمقها الى "جينة" التنكر للقومية الكوردية كامة وصاحبة ارض وتاريخ ووجود حضاري ، ومحاولات الاستحواذ على معظم اراضي كوردستان ومنع الحاقها باقليم كوردستان تحت ذرائع فارغة من اي منطق تاريخي او جغرافي . هنا نتحدث عن ابعاد الرسالة المهمة التي تمت صياغتها بعد عدة اجتماعات اشرف عليها الرئيس مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان ، وضمت لجنة من رؤساء الكتل الكوردستانية كافة في البرلمان العراقي ، وتم الاتفاق على ارسالها الى التحالف الوطني . هذه الرسالة لها اهميتها السياسية لعدة اسباب اهمها: - انها تعبر تماما عن موقف كوردي موحد ، فالذين اشتركوا في صياغتها والذين وافقوا على مضامينها هم كل الكورد ممثلين في جميع الكتل الكوردستانية بضمنها المعارضة ، اذ ان الكورد سيكون لهم راي وموقف موحد من قضيتهم القومية امام " التحالف الوطني " والاخرين ايضا ، ولن يستطيع البعض التلاعب بالالفاظ وايهام الناس بان الموقف المعلن عنه في الرسالة هو موقف لجهة كوردية معينة فقط.. - للرسالة اهميتها السياسية ايضاعلى مستوى من يهمه الوضع العراقي اقليميا ودوليا او من يراقب هذا الوضع وتطوراته ، فالكورد يمثلون اللاعب المهم في كل الوضع السياسي العراقي، وبدون التفاهم الكامل مع الكورد لن يكون هناك استقرار سياسي في العراق ، وهذه الحقيقة يؤكدها تاريخ العراق منذ تاسيس الدولة العراقية والى الان. لذلك لن تنجح اية حكومة عراقية "الان او مستقبلا" في القفز فوق ارادة الشعب الكوردي فيما يخص مستقبله وامنه والاقرار الكامل بخصوصيته كامة صاحبة ارض وليس مجرد شريحة من الناس تمارس ضغطا من اجل مكاسب سياسية معينة ، فالصراع قومي في جوهره ، لذلك فالرسالة توضح ان الكورد مع ايمانهم التام بالحوار كطريق حضاري للوصول الى الاهداف ، الا انهم ليسوا في وضع يجعلهم القبول باي ضغوطات من اية جهة كانت فيما تخص مطالبهم القومية ، ومحاولتهم المشروعة من اجل ضمان سلامة و مستقبل الاجيال الكوردية. - ابلغت الرسالة المضمون الموحد لكل التلميحات والتصريحات التي ادلى بها الرئيس مسعود بارزاني والقيادات الكوردية عموما في الفترة الاخيرة بشأن العلاقة مع الحكومة الفدرالية ، فشكلت تلك الرسالة بهذا وثيقة تاريخية كوردية مهمة، في الصراع الدائر من اجل ان تفهم بغداد جوهر الموضوع الكوردي ، ولا يحاول بعض قادتها الان الدوران حول حلول تسويفية بعيدة عن الجذور الحقيقية لهذا الصراع . وقد يسأل سائل ، ماذا لو استمر الطرف الاخر في المماطلة ، او محاولة اثارة مسائل لغرض امتصاص اهمية الرسالة ، والى متى سيظل النواب الكوردستانيون والوزراء الكورد يقاطعون جلسات البرلمان و مجلس الوزراء العراقي ؟ ان الاجابة عن هذا السؤال ، تقع على كاهل القيادة الكوردية طبعا ، ومن المبكر الحديث عن اية توقعات ، ولكن ارى ان القيادة السياسية الكوردستانية اصبحت على دراية كافية بالاساليب التي يستعملها بعض من يحكم بغداد في المماطلة ومحاولة خلط الاوراق ، بغية كسب الوقت للوصول الى الحالة التي يستطيعون "حسب توقعات مريضة" مجابهة الكورد فيها. في كل الاحوال ، ان الموقف الكوردي الموحد المعلن عنه في الرسالة سيضع الحكومة العراقية امام موقف لن يكون سهلا ، وانها جعلت النيات العراقية الحقيقية في بغداد امام امتحان صعب ، على قادتها ان يفكروا الف مرة قبل الاقدام على التعبير عنها ، او التفكير في اي رد فعل ازاءها.
|