الايادي الخفية للثورة البرلمانية

بعض المراقبين يعتقدون ان ماجرى في مجلس النواب حركة تصحيحية او صحوة ضمير لنواب فقد الشعب ثقته بهم، وطالما اعتبرهم سراق وفاسدين وقتلة ومجرمين، او ان ماجرى هو جزء من افرازات الحراك الشعبي المدني الداعي للاصلاح والتغيير، وحتى لا نغالط انفسنا فبعض النواب المعتصمين، ان لم تكن غالبيتهم قد اندفعوا بتحركاتهم معتقدين انهم يؤدون عملا وطنيا مستجيبا لمتطلبات الجماهير ومتناغما مع حراكهم، ولم يضع هؤلاء واولئك في حساباتهم ان هناك اياد خفية تقف وراء هذا الحراك وتهدف الى تصفية حسابات واضحة وجلية، واستهداف رئيس مجلس النواب كان مقصودا فهو كان قد نكث العهد حين لم يؤد ماعليه من استحقاقات حين تم اختياره لرئاسة مجلس النواب مقابل تاييده المالكي في مساعيه للحصول على الولاية الثالثة، ورغم ان الجبوري كان قد تحجج في انه لم يكن المتسبب في ذلك وليس طرفا في ازاحة المالكي، وان التحالف الشيعي واطرافا اخرى هي التي تسببت في ذلك باختيارها العبادي بدلا عنه، وان الاولى بالمالكي ان يسعى عبر تحالفه الى استعادة ما يعتقد انه حق له وليس عبر استهداف رئيس البرلمان.. ولكن المالكي يعرف جيدا ان التحالف الشيعي لايمكنه الموافقة على عودة المالكي الى السلطة ليس كرها وبغضا، ولكن لان التحالف يعتقد ان عودة المالكي بعد رفض الشارع له واتهامه بالفساد وكثرة المطالبات بمحاسبته سيشكل نهاية لشعبيته المنحسرة اساسا، ولذلك لم يحاول المالكي بشكل جدي طرح مسالة اقالة العبادي داخل اروقة التحالف بل على العكس تماما كان يدعو علنا الى تاييد خطوات الاصلاح التي يعتزم القيام بها ولكنه في نفس الوقت كان يضع في الخفاء العراقيل والكوابح التي من شانها افشال العبادي وتقييد حركته والتاثير عليه من خلال وضعه الحزبي لجعله اضحوكة امام السياسيين والناس جميعا واظهاره كشخص ضعيف وغبي ومتردد وغير قادر على اتخاذ خطوات من شانها تحريك الاجواء السياسية وتقديم ما يمكن ان يشكل املا على طريق الاصلاح، ولم ينسى المالكي ان العبادي كان قد اقاله من منصب نائب رئيس الجمهورية في لحظة طيش واندفاع وحماس غير محسوبة، والبرلمانيون لو كانوا على قدر من الفهم وتوقع ردود الافعال التي سيواجهونها ومنها ( مقاطعة الكورد وبعض نواب اتحاد القوى الذين يدعون تمثيلهم للسنة وانهم سيدعون مقاطعة السنة للعملية السياسية، وربما ستصل الامور ايضا الى تهديد الكورد بالانفصال، والتي ستؤدي في النهاية الى عقد صفقة جديدة تشمل اختيار ثلاث رئاسات جديدة او تدوير بعضها، وهذا يعني ان ماجرى ليس سوى نفخ في قربة مثقوبة او مغامرة لبعض الطائشين)، لما انجرف النواب المعتصمون وراء مشاريع لا تهدف في الاساس الا لخلط الاوراق والاطاحة بالاشخاص الذين تسببوا بازاحة المالكي، وليس مهما بعد ذلك من ياتي مازال الموضوع في الاساس سيتم عبر نظام المحاصصة الطائفية الذي سيضمن في النتيجة المكانة المنشودة للمالكي، والتي يعتقد البرلمانيون انهم ثاروا ضد ذلك النظام وانهم سيضعون قواعد جديدة عابرة للطائفية للعملية السياسية، ولكن ماجرى في الحقيقة سوف لن يؤثر بقدر او بآخر على العملية السياسية العقيمة بقدر ما سيؤثر على ابناء الشعب الذين سيدخلون في دوامة جديدة وهي اختيار الرئاسات الجديدة وتنحية مسالة الاصلاحات جانبا الى حين تشكيل حكومة جديدة بعد اشهر طويلة ومن ثم انتظار ادائها لمعرفة نجاحها من عدمه، وحينها سيكون الشعب قد انسحق تماما وخارت قواه التي هي في اضعف حالاتها حاليا، والمالكي من خلال مشروعه هذا ايضا، اجهض محاولات مقتدى الصدر الذي وضع نفسه في موقف لايحسد عليه بعد تقديم نفسه ممثلا للشعب ومن ثم انسحابه
المفاجيء من دائرة الصراع وانزوائه دون ان يحقق شيئا سوى الخسران والتخاذل وفقدان ثقة الكثير من اتباعه، ويأمل المالكي بعد ذلك وبفضل نظام المحاصصة ان يستعيد مجدا كان قد فقده عبر الحصول على منصب مهم وربما رئاسة الوزراء، مادام الشعب غير قادر على الوقوف بوجه متحكمي السلطة وحيتان الفساد والقوى الاقليمية الداعمة لمن افتقد الشرف وتعاهد اخيرا على استعادته، ولم يفهم بعد، ان الشرف ليس سلعة تباع وتشترى، وليس هبة تمنح وتسترد عبر وثائق وعهود..