شعب يحارب الفساد ويهتف للفاسدين‎

مما لا شك فيه أن الطبقة السياسية العراقية التي تبوأت مناصب قيادة الدولة  منذ 2003 ولغاية الآن يشهد لها التأريخ والوقائع والشياع أنها فاسدة بإمتياز وإن تباينت درجة الفساد من موقع لآخر ومن شخص لآخر وأبسط الأدلة على ذلك والتي لا تحتاج الى وثائق ومستندات قطعية وتحريات هي ما صرح ويصرح به قادة الأحزاب والساسة على الملأ وعبر وسائل الإعلام وفي كل لقاءاتهم أن كل منهم لديه وثائق تدين الآخر وهو لايزال يحتفظ بها ويهدد بعرضها ولو قدمها للجهات المختصة لأدانة ذلك الطرف وإقتصت منه وزجت به الى السجن مما يعني أن الفاسدين ليسوا مبهمين ومجهولين وكذلك ملفاتهم ليست في علم الغيب أو مختفية عن الأنظار ولايمكن الوصول اليها بل أنها موزعة بينهم وكل منهم يحتفظ ببعض منها ليهدد ويبتز ويساوم ويهادن ويكتسب منها ، وما إختلافاتهم وصراعاتهم ومناكفاتهم إلا بسبب الكيفية التي تتوزع فيها المكاسب الفاسدة والمناصب والإمتيازات التي تدر عليهم أكبر قدر من السحت . الساحة العراقية شهدت خلال الأيام الماضية حراكآ قويآ صلبآ متماسكآ من قبل أطراف عديدة أخذت على عاتقها المطالبة بوقف الفساد ومحاربة الفاسدين والقبض عليهم ومحاكمتهم وإسترجاع الأموال المسروقة الى خزينة البلد بعد أن وصلت الدولة الى حالة هي أقرب للإفلاس ، فخرجت تظاهرات لجموع من الشعب المطالب بالمدنية ولحقها زحف جماهيري يكاد يكون الأكبر من قبل التيار الصدري وأنصاره إمتلأت بهم الساحات والميادين محتجين ومعتصمين منادين بمحاربة الفاسدين والقضاء على الفساد والمطالبة بالإصلاح ، وما أن هدأت وتيرة هذا التحرك حتى ظهرت جموع أخرى من الشعب وهذه المرة من أتباع تيار المجلس الأعلى منادية كسابقتها بالإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين ، وعلى نفس الشاكلة إستثمر تيار الدعوة مناسبات ذكرى 9/4/2003 وتزامنها مع 9/4/1980 ليهتف هو ومناصروه ومؤيدوه بالدعوة الى محاربة الفاسدين والقضاء على مكامن الفساد في الدولة والمطالبة بضرورة تبني الإصلاح في البلاد ، مما تقدم يتبين أن الشعب وعلى أقل تقدير الوسط والجنوب توزع أبناءه بين هذه الكتل السياسية وبالنتيجة يمكن القول أن الشعب الذي يعيش أغلبه على خط الفقر أو دونه خرج بأجمعه دون وعي أو إدراك أو فهم لما يدور من حوله وما وصل اليه الحال يطالب الفاسدون بمحاربة الفاسدين بشرط أن لا يكونوا من رموز تيارهم وإن كانوا فاسدين فهم خط أحمر لا يمكن المساس بهم إلا لاقدر الله أن يمسكوهم بالجرم المشهود وبيدهم أداة الجريمة ( لحين ترتيب مبرر لهذا العمل وتخريجته الشرعية السياسية) ومن دونها يبقون هم عنوان النزاهة والأمانة والإخلاص والتقوى ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كل هؤلاء ينادون بالقضاء على الفساد بشرط أن لا يمس مصالح الأحزاب التي ينتمون لها والمؤيدين لسياستها والعابدين لقيادتها والتي تعتاش جميع الأحزاب على منابعه وأصوله ومتبنياته ولجانه الإقتصادية التي يزخر بها كل حزب وكتلة سياسية.