العراق تايمز: كتب سمير خمورو
سمعتُ أول مرة عن هذه العائلة، عندما تحدث السيد سايروس إحساني، في الاعلام الفرنسي، أن المربية الفليبينية سرقت مجوهرات زوجته من منزله في موناكو، وذكر ان قيمتها 500,000 ألف دولار... !!وفي الأيام القليلة الماضية، اصبح هذا الأسم يتردد في كل وسائل الاعلام العالمية... عن أكبر فضيحة في مجال الشركات النفط العالمية. ولما كان أسم العراق، وطني، يتكرر كلما ذكر أسم هذه العائلة، بحثتُ في عدد من المصادر وها أنا ألقي الضوء على العائلة التي عملت مع السياسيين الفاسدين في العراق، على سرقة ثروة العراق النفطية. ولد عطا أحساني عام 1940 في مدينة كرمان في جنوب شرق ايران، ودرس الهندسة في انكلترا والولايات المتحدة، وعندما عاد الى إيران في عهد الشاه كان يجب عليه تسديد النفقات التي صرفت عليه أثناء الدراسة، وقام بتسديدها من خلال العمل في الشركة النفطية "الشقيقات السبع" وهي عبارة عن تكتل شركات نفطية عملاقة تعمل في المنطقة الغربية من إيران، وبعد سنوات أختاره الشاه لإدارة تجارة النفط الإيراني، ومن هنا بدأ في تكوين شبكة خاصة به، من العلاقات مع الشركات الغربية والخليجية، العاملة في مجال الطاقة، مما أهله ذلك الى تأسيس شركته الخاصة فيما بعد.
عندما قامت الثورة الايرانية عام 1979، أممت كل الشركات العائدة للعوائل البرجوازية الايرانية، ومنها شركة عطا حساني، لصلته بشخصيات مقربة من شاه إيران السابق. فوجد نفسه في وضع حرج، وأصبح مبعدا بعد كان مقربا من دوائر القرار في ايران، فخاف أن تطاله وعائلته يد حرس الثورة الاسلامية، الذي تأسس بعد فترة قصيرة، بقرار من مرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي. ولكنه أنتظر قليلا ليرى لمن ستكون الغلبة، للتيار الاسلامي أو للتيار الديمقراطي العلماني الذي يقوده مهدي بزركان الذي عين مؤقتاً رئيساً للوزراء. كان التيار الديمقراطي والعلماني واليساري، يعتقد أنه جزء من الثورة، ولكن بعد نصف سنة من انتصارها، بدأت الصورة تتضح. وبدأ رجال الدين بمحاصرة الجامعات التي كانت معقلا لليساريين، وكالعادة، أرتكبت الاحزاب والتيارات الماركسية والشيوعيون خطأ قاتلاً، بكشفهم عن كل قواعدهم، فأصبح مسألة التخلص من قياداتهم أمراً سهلا ً بعد أن كان عصياً على السافاك والمخابرات الغربية، وهذا ما حصل بالفعل.
أستطاع عطا حساني أن يسافر وعائلته، الى إنكلترا معتمدا على علاقاته السابقة مع رؤوساء شركات نفطية كبيرة، وعمل في هذه الفترة مستشارا لبعض الشركات النفطية الخليجية والأميركية والبريطانية. وفي عام 1990 قام بتأسيس شركة استشارية متخصصة في قطاع الطاقة في الشرق الآوسط وأفريقياأطلق عليها أوناأويل Unaoil. ومهمتها الأساسية تقديم الرشاوي الى السياسيين الفاسدين في هذه الدول نيابة عن الكارتلات النفطية الضخمة، التي لا تريد توسيخ يديها وسمعتها، وإيضا خوفاً من القوانيين في بلدانها.
هذه الشركة العائلية التي تدير أوناأويل Unaoil، كان دورها خلال 20 سنة يُختصر في أن تكون الوسيط الغير المرئي في الصفقات الضخمة بين أكبر شركات الطاقة في العالم والحكومات الفاسدة المعروفة في الشرقة الاوسط وأفريقيا وآسيا.
تتقاسم العائلة الأدوار فيما بينها وتحافظ على أسرار أعمالها بشراسة وبشكل مثير للدهشة، وهي لا تتحدث عن أي صفقات تقوم بها وفي نفس الوقت تقوم عائلة إحساني الايرانية كل ما في وسعها في الدعاية عن مميزات أعمالها ونجاحها، في وسائل الاتصالات المتخصصة. الاب عطا هو الرئيس ولا يتم اتخاذ أي قرار كبير دون الرجوع عليه، وابنه الأكبر سايروس مسؤول عن مراقبة السوق النفطي، والاتصالات وبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية، ورشوة المدراء التنفيذيين، والسياسيين الفاسدين في الدول التي تتسلط حكومات عميلة وفاسدة عليها، عن طريق رشوة عملاء محليين الذين يسربون أسرار المناقصات. وفي أحيان كثيرة تكون أونا أويل أول من يعرف أن هناك مناقصة ستعلن وشروطها. يقول سايروس عن عمله " ...ولكن طبيعة العملية أيضا تحمل خطر دائم، فيمكن أن نتعرض للتحقيق والملاحقة القضائية، وهذه قد نسميها تحديات بيئة الأعمال".
وفي عام 2007 كسبت العائلة ثقة كبار الأغنياء في العالم، وأصبحت مدعوة الى نوادي الأثرياء الخاصة بعد أن تبين أنها تملك ثروة كبيرة بلغت 63 مليون يورو في حسابات مصرفية وأسهم في الشركات الخاصة وفي مجال العقارات في فرنسا، وموناكو، والولايات المتحدة تقدر ب 130 مليون يورو. وصارت العائلة تدعى لكثير من الحفلات الاجتماعية والترفيهية وتتبرع بسخاء للأعمال الخيرية التي قد يرأسها احد المقربين من أمير موناكو. واستطاعوا الدخول كأعضاء في نادي السفراء وهو نادي الصفوة للنخبة والمليارديرية في الإمارة، وشغل سايروس بعد فترة منصب أمين صندوق هذا النادي. كما أنهم عرفوا كيف يتقربون الى الأمير عن طريق توظيف أحد المقربيين منه السيد مايك باويز الذي يستلم راتب سنوي 50000 ألف دولار كونه عضو في المجلس الأستشاري للشركة، وهذه نوع من الرشوة المخفية تحت مسمى عضو استشاري، لا مكتب له.وبدأت العائلة بدورها في أقامة الحفلات الباذخة ودعوة شخصيات متنفذة ورجال أعمال وأمراء وشيوخ من دول الخليج، وشخصيات إيرانية معروفة ونساء جميلات، كما في حفلة العشاء الراقص في نادي اليخوت في الإمارة، بحجة التعريف بالثقافة والحضارة الايرانية !
اما كيف تعمل أوناأويل، وما هو عملها الحقيقي ؟ انها تزود العملاء الكبار بالمعلومات عن الصفقات المعلنة، أو تلك التي ستعلن، بعد أن تكون قد زرعت عميل لها في موقع اتخاذ القرار، وتتولى متابعة الامر مع المسؤولين التنفيذيين في البلدان المنتجة للنفط والغاز، وقد تؤثر على السعر المعلن وتطلب من المسؤولين في بلدانهم رفع السعر لتكون نسبة الأموال المستخلصة أكبر، وإذا فازت أوناأويل بعقد لعميل فإنها تحصل على نسبة مئوية من إجمالي قيمة العقد كرسم خدمات بضمنها الرشوة التي ستدفع، ومن ثم تقوم الشركة بدفع للمدراء التنفيذيين رشوة المتفق عليها والذين ساهموا في الفوز بالعقد وهو جزء بسيط من قطعة الكعكة، وقيمة الرشوة تكون بحسب قيمة العقد وموقع وأهمية ومسؤولية الوزراء والمدراء.
لقد عرفت الاسرة كيف تخفي أعمالها المريبة، فقد قامت بتأسيس مؤسسة للأعمال الخيرية، تابعة لشركة أوناأويل. في عام 2010 تم تأسيس منظمة أنسانية غير ربحية في موناكو بأسم أوناكيد Unakids ، تعمل على تحسين حياة الاطفال الذين فقدوا أحد الوالدين، عن طريق التعليم والرعاية، حيث تكون للشركة موقع قدم، يرأسها الابن الثاني سامان خريج جامعة أكسفورد وزوجة الاب "ليدا" كنائب للرئيس.
ورغم أن هذه المنظمة الخيرية تابعة للعائلة، ولكنهم بين فترة وأخرى تقيم حفلات باذخة في قاعات فنادق ونوادي مشهورة مثل نادي اليخوت والسفراء في مونت كارلو غالية الثمن، تدعو إليها الكثير من من رجال الاعمال المعروفين والأمراء والشيوخ العرب أضافة الى عدد من الجميلات من الممثلات والمطربات وعارضات الأزياء، لجمع التبرعات وتقديم الأموال لهذه المنظمة. العائلة تعمل مثل المافيا، من جانبٍ تجمع الأموال من المدعوين ومن ثم تقدم لهم وجهها الاخر، دورها في رعاية الاطفال وتعليمهم في أقامة بعض المشاريع الخيرية في الدول التي تم رشوة مسؤوليها في الشرق الاوسط وأفريقيا.
والمضحك المبكي، أن من الأموال الضخمة التي تحصل عليها من هذه البلدان النفطية، ومن الرشوة لمسؤولي هذه الدول، تقوم بتخصيص مبلغ تافه لإقامة " مشروع خيري بسيط " كما فعلوا في نيبال وأرمينيا ولبنان. والعراق هو أفضل مثال على ذلك، ففي جنوب الفاو عملوا على أنشاء مدرسة عام 2015 وقد أرسلوا الى الفاو مصورة تدعى كلوديا البوكويرك لتصوير المدرسة والأطفال ونشروا تلك الصور "200 صورة" وفيديو بسيط على موقعهم الالكتروني وفي وسائل الاعلام وفي اليوتيوب وأستثمروا هذا العمل على أحسن ما يكون.
ومن البحث والتقصي، نجد أن الشركة فازت بأول عقد كبير جداً، في منطقة تاجوراء في ليبيا عام 2007. وفي عام 2010 فازوا بأول عقد كبير لتأمين مد خط أنابيب أستراتيجي بري، اضافة الى أعمال الصيانة ذات الصلة بالمشروع في جنوب العراق.
ويبدو أنهم وجدوا أن الثروة النفطية سائبة ويسيطر عليها، سياسيون فاسدون من الاحزاب الاسلامية في العراق، فنجد أن فوزهم بعقود نفطية بمئات الملايين من الدولارات توالت منذ عام 2010 وأخرها كان عقدين مع شركة غاز البصرة في أب 2015 وقد تصل العقود التي حصلت عليها أوناأويل على 7 عقود ضخمة، وربما أكثر....في العراق !!
وتسيطر عائلة إحساني على العشرات من الشركات الوهمية المسجلة في الملاذات الضريبية، وكلها مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وجزر القنال وجزر مارشال. وهذه الشركات تقوم بتوقع وكالات عامة مع الشركات الاستشارية ومع شركات النفط والغاز المعروفة في العالم، وتعمل الشركة على الفوز بعقود من شركات النفط المملوكة للدولة مثل الجزائر وتوركمستان، والعراق. نيبال، وأرمينيا وأذربيجان.
ولكي لا تثير الانتباه والتساؤل، وجهت عائلة عطا أحساني ابنها الثالث، ساسان، ولد عام 1978 في طهران الى تأسيس شركة ضخمة أطلق عليها أسم LUMINA في إنكلترا متخصصة في مجال تشيد وبيع العقارات الكبيرة عام 2006.
السؤال المطروح هل هي صدفة أن عدد من أكبر عقود الطاقة في العراق كان أخرها في مجال غاز البصرة في 8 أب 2015 تحصل عليها، عائلة عطا إحساني الايرانية لصالح شركات غربية عمالقة في مجال الطاقة في العراق ؟
|