لعبت الشيعة بالملك , فلا اصلاح جاء ولا خير نزل ... هل تتحول قاعة البرلمان الى قاعة الخلد؟

بين ليلة وضحاها وبعد مرور اكثر من ثلاثة عشر سنة ينتبه الشارع الشيعي وممثليهم في البرلمان الى ان المحاصصة هي السبب وراء كل ما يعانيه العراق من مشاكل , ولكي يتنعم العراقييون بحياة افضل فما عليهم الا القضاء على هذه المحاصصة ( المقيتة) . وتشاء الصدف السياسية ان تكون هذه الصحوة (الوطنية) متزامنة مع المراحل الاخيرة لطرد داعش من العراق ومع الاستقطاب المذهبي الذي تعاني منه المنطقة . وبمحض الصدفة أيضا جائت نتائج القضاء على المحاصصة لتصب في صالح المكون الشيعي واحزابه وضد مكون اخر , ما اعطى جرعة اقوى من (الوطنية) جعلت من الفاسد والقاتل ثائرا يعتصم في اروقة البرلمان وقاعاته وينادي بالاصلاح .
كنا نتمنى رؤية صحوة وطنية حقيقية في العراق تنهي مشاكله القاتلة والى الابد , لا ان تعاد تجربة صدام حسين سنة تسع وسبعين , وان كان صدام حسين بالامس قد ادعى في اجتماع قاعة الخلد السيء الصيت بوجود مؤامرة تستهدف (الثورة والشعب) وازاح بذلك كل من شك فيهم من رفاقه ليستفرد بالحكم , فان ما يحصل الان في قاعة البرلمان العراقي هي محاولة استغلال موضوع الاصلاح لازاحة شركاء الشيعة من المكونات الباقية والاستفراد بالحكم للتحول الى دكتاتورية طائفة . وهناك الكثير من الاسباب التي تجعلنا نشكك في نوايا الداعين الى الاصلاح يمكن تلخصيها في النقاط التالية : -
1- ما الذي يجعل بعض القوى الشيعية تصر على الاصلاحات في هذا الوقت بالذات مع ان عمر الفساد المالي والمحاصصة السياسية اكثر من ثلاثة عشر سنة في العراق ؟ ولماذا تزامنت هذه الحركة مع الاستعدادات الجارية من قبل التحالف الدولي في طرد داعش من العراق بشكل كامل ؟
2- من المعروف ان عراق ما بعد داعش لن يكون كما قبله , واذا كان وجود داعش قد ادى الى تحييد القوى السنية في ان يكون لهم تاثير فاعل في العملية السياسية , فان خروج داعش من العراق سيساعد على رجوع تلك الاحزاب السنية الى العملية السياسية بشكل اقوى بما ان الاستقطاب المذهبي في المنطقة سيجعلها مدعومة من قبل الدول السنية في المنطقة بشكل اقوى من قبل .
3- الشارع السني الان مغيب بسبب احتلال مناطقه من قبل داعش وهوغير قادر على التعبير عن رايه بشكل واضح من هذه الاصلاحات , والشارع الكوردي منكفيء على مشاكله المالية والسياسية الداخلية , وهذه تعتبر فرصة ذهبية للمكون الشيعي في تطويع العملية السياسية بالشكل الذي يخدم مصالحه السياسية ويتفق مع اجندات القوى الاقليمية الداعمة له .
4- المفارقة الغريبة فيما يدعونه اصلاحا هو انه قد اتى في المؤسستين التنفيذية والتشريعية لتكون على حساب المكون السني وفي صالح المكون الشيعي . وهذه ليست مصادفة بالطبع .. فلا يمكن استبعاد الوزراء في مجلس الوزراء ويجري الابقاء على رئيس الوزراء (الشيعي) , ويتم الدعوة الى وزراء تكنوقراط خارج الكتل السياسية . وفي مجلس النواب يمتطي النواب الشيعة صهوة فرس الاصلاح ليصروا على ازاحة رئيس البرلمان (السني) والاتيان باخر( سني) لا يتمتع بنشاط سياسي او برلماني يذكر .
5- مهما كانت محاولات انهاء المحاصصة في مناصب الدولة فان المكون الشيعي يبقى ضامنا لمنصب رئاسة الوزراء في أي انتخابات مستقبلية باعتباره مكون الاغلبية . وهذا يعني بان المكون الشيعي سيبقى مسيطرا على العملية السياسية بكل الاحوال بينما سيدور المكونين السني والكوردي حول فلك المكون الشيعي دونما أي تاثير حقيقي .
ان اصل المحاصصة السياسية هي في وجود مكون يتبنى في معطمه فكرة الاسلام السياسي وهو المكون الشيعي , ووجود احزاب شيعية تتبنى افكارا مذهبية سياسية تعمق المحاصصة الطائفية . وما يزيد من الطين بلة هو وجود هذه الاحزاب الشيعية في تكوين سياسي اخر وهو التحالف الوطني الذي يمنع ان يتولى منصب رئاسة الوزراء أي شخص خارج نطاق هذه المؤسسة في أي انتخابات مستقبلية . لذلك فمن الضروري ان تسبق الدعوة الى أي اصلاح دعوة لتفكيك هذه الاحزاب التي هي اصل المحاصصة في العملية السياسية .
6- هذا الانقلاب السياسي جاء في الفترة التي تعيش فيها امريكا سباتا سياسيا تسبق أي انتخابات رئاسية امريكية مما يعطي المجال للاطراف الشيعية ومن يساندهم من دول اقليمية في فرض اجنداتهم وتوجهاتهم دون ان يواجهوا اعتراضات امريكية قوية كان يمكن ان نراها لو انهم قاموا بهذا الانقلاب في وقت سابق .
7- تاييد اياد علاوي لهذا الانقلاب السياسي وتواجده مع البرلمانيين المعتصمين اعقب تصريحا له يفيد بان ايران قد رفعت عنه الخط الاحمر , مما يشير الى ان هذا الانقلاب ليست حركة عفوية وطنية بل هو انقلاب مخطط له بدقة من قبل ايران .
وهكذا فان ما يحدث الان في بغداد هو انقلاب سياسي للمكون الشيعي على العملية السياسية وعلى المكونين السني والكوردي . فان كان للمكون الكوردي خيارات بديلة تفرضها خصوصيته السياسية ووجوده في اقليم بعيدا عن تاثيرات المركز ’ فالمكون السني هو من سيدفع ثمن هذا الانقلاب السياسي , وسيدخل الجمهورية الثالثة (بعد طرد داعش) وهو تحت الوصاية الشيعية بالكامل , فاقدا حق اختيار مرشحيه وممثليه في الحكومات العراقية المستقبلية .