فقاعة الاصلاح والتغيير والضحك على الذقون

لقد ازدادت التفسيرات والتحليلات حول ما يجري في الساحة السياسية العراقية من حراب ومساجلات وتناحر يؤشر لمرحلة الذهاب نحو المجهول في ظل رفع شعارات بسيطة بالمعنى الحرفي وصعب جدا بالتطبيق في بلد غلبت عليه المحاصصة والطائفية المقيتة ، واهمها الاصلاح السياسي الذي اصبح اكثر شيوعا في لغة الصحافة والاعلام ومادة دسمة في الخطابات السياسية وكأنه يحمل حلولا سحرية لكل المشاكل المعقدة التي أنتجتها السياسات الغير صحيحة في البلد طيلة السنوات الماضية وتلح عليه كل القوى الفاعلة على الساحة السياسية في العراق وهم بعيدين عنه لان عملية الاصلاح السياسي توجب تطويرا مستمرا وتحسينا لاداء النظام الحاكم من حيث الكفاءة والفعالية .

ومسيرة التغيير والاصلاح في العراق تتعرض لخطر كبير ، يحد من تسارعها في بلوغ الأهداف والغايات التي انطلقت للوصول اليها، عدم وجود نية ورؤيا صادقة ، ولاتبنى على مهل يومية لأن الذين تصدوا لقيادتها يفتقدون الرؤية المشتركة في تحديد افق التغيير ومداه ،وتنقصهم قدرة التوحد والتنسيق المشترك، والارادة وقدرة التغيير الحقيقية فيما بينهم ،وضاعت عليهم الفرص والمناسبات ما افقدهم إمكانية احداث تحولات وإصلاحات شاملة في بنية الواقع العراقي الذي هو أحوج ما يكون اليها ،واهدرت طاقات ورغبات وامكانات دون فعل او تأثير وأُهدرت فرص سانحة للتغيير كادت ان تشكل نقلة نوعية في حياة الشعب والبلاد وتجربة جديدة في المنطقة.

الواقع القائم يرغمنا على الاعتراف بأن مثل هذه المستلزمات لا تتوفر على النحو الذي تتطلبه عملية الاصلاح الحقيقي . ومن المؤكد أن الاصلاح المطلوب لاخراج البلاد من أزمته ووضعه على طريق التطور السليم لابد أن يفضي، في خاتمة المطاف، الى إنهاء نظام المحاصصة، وإرساء قواعد بناء الدولة المدنية .

الصراعات نراها تستفحل يوماً بعد يوم ، لقد وصلنا الى قناعة بأن الكلام في المطالبة بإصلاح النظام السياسي والإداري ليست إلا لحرق الزمن، وحديث القضاء على رموز الفساد تتحدث به ألسنة الساسة لكن ليس هناك من يريد تحقيق هذا الحلم الجماهيري ، واصبحت مادة اعلامية لفظية يتداولها السياسيون في احاديثهم وخطبهم للتخدير دون ان تتحول الى قوة فعل يعتمدها المواطن لانتزاع حقوقه الحياتية واصلاح الاوضاع التي يعيشها والتي بلغت من البؤس والانحطاط النفسي والتدهور الاقتصادي مالا يصدقه حتى البعيد عن الواقع . في بلد تكثر فيه العطاءات والخيرات .

وهناك من ينظر الى المخاطر بعين اللامبالات و لا يعود للحديث حول الاصلاحات والمفاسد شيئا حقيقيا ملموسا يستحق الرأي والكلام وبعد 13 سنة على التغيير لم تطرح القوى السياسية اي رؤية ملموسة سوى التهويل ولم نسمع بورقة اصلاحية حقيقية متكاملة ، وهو مايريده الشارع غير التزمير والتطبيل ولا حكومة تكلف بارادة شعبية إلا لتهدئة الشارع.

الاصلاحات والتغييرات الحكومية التي يطرحها الفاعلين السياسيين هذه الايام فقاعة جديدة للتغطية عن الفشل في ادارة الدولة بفعل المناكفات والمزايدات السياسية وبعد ان تفاقم النقص في الخدمات وعدم وجود حلول لانهاء المعضلات المستفحلة والمشاكل الاقتصادية المزرية التي يترنح تحت ظلالها المواطن ويتحمل اعبائها . وساسة الحكم وصلت بهم الامور الى الظهور بثوب جديد لغرض ان ينسى الناس فشل الحكومات المتعاقبة وعجزها من تقديم اي شيء سوى نزف المال وتخريب الاقتصاد وافلاس الخزينة بالسرقات . ولاننسى ان الحكومة جسد بلا روح. ولكن التغيير السياسي الذي نادت به النخب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي بعد سقوط النظام السابق ،ووعدت بتحقيقه إستجابة لرغبات جامحة لدى العراقيين قد خيب آمالهم وأصابهم بالإحباط بعد ان عجزت في تأشير حالة إيجابية تزاوج بين القول والفعل وفشلت في وضع العراق على عتبة الطريق المفضي لتحولات جذرية تترجم ما بشرت به وتعهدت بفعله والذي ينبغي ان يولد من رحم المعاناة والمآسي والمحن التي عاشها الشعب .

إن مسيرة التغيير والاصلاح الحقيقية يتعين ان تستهدف الأبعاد السياسية والاجتماعية والأقتصادية ،حيث لا يمكن لاي بعد ان يعمل بمعزل عن الابعاد الاخرى ،والاصلاح السياسي الذي يطرح ، مع أهميته ،يبقى منقوصا ولا يمكن ان يبلغ مداه بمضامين حضارية ،ما لم يكن متلازما ومترافقا مع الأصلاح الاجتماعي والاقتصادي. لقد خضعت معظم الأحزاب لنظام المحاصصة الذي جاء به الاحتلال والذي احدث شرخاً عميقاً في النسيج الاجتماعي وقسم الشعب الى طوائف وقوميات وإثنيات ،وأغراق الشعب في خضم صراعات ومواجهات أضعفت قدراته على مواجهة التحديات والتصدي للعوامل المؤخرة لتقدمه وتطوره ،وأوهنت قبضة القانون لتمهيد الطريق لانتشار مظاهر الفساد والسرقة والرشوة والتزوير،حتى اصبح العراق من أوائل دول العالم فيها ،وبدلا من التوجه لتسريع بناء العراق في ظل توفر امكانات وموارد بشرية ومالية هائلة، تسربت ثروات البلاد الى جيوب السراق والحرامية والفاسدين لتهرب الى الخارج دون حسيب أو رقيب

لايمكن تجاهل الواقع الحالي بعد ان اخذت الاوضاع تزداد سوءاً يوما بعد يوم وافراده يتسابقون نحو المجهول وليس هناك من يسمع انينهم ونحيبهم ولايسأل عن اي شيءً يبحثون ، اطفال يضيعون في اليتم وتمتلئ الشوارع بهم ، والفقر يعصم ايديهم دون ان يجدوا من ياخذ بيدهم .. .على ماذا ، وعلى اي شيء ؟فقد ضاعت الجهود واصبحت تدور في متاهات ظلماء ،

اليوم العراق على مفترق الطريق ؛ فما زال الشعب صامت .. ومازالت افواه الساسة تطلق بالإصلاحات والتغيير الوزاري ...جعجعة دون طحين .. وعدم وجود ورقة اصلاحية متفق عليها . ولايمكن ان يتفقوا عليها ان وجدت..ومازالت الجماهير تغلوا من تردي الاوضاع الاقتصادية ، ومازالت الأوضاع الأمنية مقلقة لفقدان مستوى التنظيم والتنسيق بين اجهزته واختراقه من قبل اطراف تعمل في الخفاء لصالح المنظومات الاستخباراتية العالمية والاقليمية ،

فهل يا ترى من الممكن تغييره؟ قطعا، لا يمكن أن يحدث التغيير من خلال بعض من الرجال كل همهم أن يحصلوا على اموال سحت وحرام والثراء على حساب الشعب من الفقراء والمعوزين. وإنما برجال أمناء أوفياء مخلصين، لا يخافون فى الحق لومة لائم...رجال تتوافر فيهم القدرة والكفاءة والطاقة والأمانة ، يفهمون دورهم جيدا، ويؤدون واجبهم الحقيقى فى الرقابة والتشريع على أفضل ما يكون ، و النقد حق مشروع لكل إنسان، وإلاجحاف بحقه ينافي الأخلاق ومبادئ العدالة والإنصاف بالإضافة إلى كونه حراما في كل الأديان والمذاهب ومخالفا للقوانين الانسانية .

ربما ازددنا ألما ووجعا وتراجعا ان لم نحسن الاختيار وان لم نغير من الواقع المؤلم.. فى ظل كل المراجعات التى يجب ان نقوم بها الآن حول جوانب الخلل والتراجع فى حياتنا و توقف المؤسسات العلمية والمجتمعية والبحثية والتربوية والتعليمية عند قضية الأخلاق ولغة الشارع وما يجرى حولنا من جرائم تهدد كيان هذا المجتمع من الامور المستعجلة التي تستوجب العمل عليها ..لا يمكن ان نسكت على هذه الافة الخبيثة التي طفحت علينا جميعا ومن أين جاءت وكيف حلت ،

الفساد غدى ثقافة مجتمع قد يداهمنا بالمستجدات من الازمات، وعندها لا نجد سبيلا للخروج منه، وقد شكل هذا التفكير والمعانات كابوسا خياليا لا ينفك عنا، لابد من التوقف عنده ودراسته، كما نحسب لاحتمال تعرض جهودنا وأمجادنا وما يؤسس اليوم للانهيار غدا. لنستنفر قوانا الداخلية ونعيش في حالة من الترقب والحيطة والحذر في مواجهة الخطر القادم ، علينا أن نتصرف في هذه المرحلة بكل ثقة لاننا مقبلون على معركة سننتصر بها دون شك. والحذر كل الحذر أن تدب فينا الهزيمة والخوف .