تنتمي أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين الى تجمع قبلي يعرف بالعتوب، وكان هذا التجمع يضم عددا من العشائر والبيوتات، ويتزعمه آل الصباح أسرة أمراء الكويت حاليا، وكان الحلف يضم آل خليفة والجلاهمة وآل علي وغيرهم من العشائر الصغيرة الأخرى.
وقام الهولة بهجوم على العتوب وقتلوا ما يقرب من أربعمائة رجل منهم. وبعد هذه الحادثة ثار العتوب والخليفات وتوجهوا إلى مغاصات اللؤلؤ وهاجموا سفن الهولة، ثم نزلوا سواحل جزيرة البحرين وأحرقوا المزارع والقرى وعادوا إلى بلدهم الديلم، وقد ذكر هذه الحادثة الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناضرة في كتابه لؤلؤة البحرين ص442، وكذلك الدكتور محمد سلطان القاسمي في بيان الكويت ص13، قال: >وفي سنة 1112هـ صارت الواقعة بين الهولة والعتوب، حيث أن العتوب عاثوا في البحرين الفساد، ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الله بن ماجد، الهولة ليأتوا على العتوب، وجاءت طائفة من الهولة ووقعت الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب..... وفي أول سنة وردوا لأخذها، رجعوا بالخيبة ولم يتمكنوا منها؛ وذلك لشدة المقاومة الشعبية لمسلمي البحرين، وكذلك في المرة الثانية بعد سنة مع معاضدة جميع الأعراب والنصاب لهم، لم يفلحوا في احتلال البحرين.
وفي المرة الثالثة: حصروا البلد لتسلطهم على البحر، حيث أنها جزيرة، حتى ضعفوا أهلها وفتحوها قهراً، وكانت واقعة عظمى وداهية دهما، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، فهربت الناس سيما أكابر البلاد منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار<
وبسبب هذه الفوضى الأمنية أمر الشاه حسين الصفوي بإرسال قوة برية من شيراز لمعاقبة العتوب في الديلم، ففر العتوب والخليفات من الديلم الى العراق. (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص115) فدخلوا شط العرب، ونزلوا في منطقة تسمى المخراق تقع شمال الفاو بحوالي 15 كم . (دراسات في تاريخ الخليج:1/100).
وقد أكدت وثيقة عثمانية يعود تاريخها الى سنة 1701م نزول العتوب والخليفات في المخراق حيث أرسلوا وفدا الى والي البصرة العثماني يستأذنوه بالسماح لهم بسكنى المخراق. والوثيقة المذكورة عبارة عن رسالة بعث بها والي البصرة (1701_1705) علي باشا إلى السلطان العثماني، يخبر بها حكومته عن نزول العتوب في بلاده. وهي مؤرخة بتاريخ الثاني من رجب سنة 1113هـ/1701م، وقد وردت في أرشيف رئاسة الوزراء العثمانية في اسطنبول، في دفاتر المهمة، رقم الدفتر 111، رقم الصفحة 713، وهذه ترجمة الدكتور زكريا كورشون أستاذ التاريخ السياسي في جامعة مرمرة وجامعة تبة في أسطنبول للوثيقة باختصار:
>أحيطكم علما، يوجد على شواطئ العجم محل أسمه البحرين، وهناك أيضاً عشيرتان تتبعان لإدارة العجم وهما عشيرة العتوب وعشيرة الخليفات من أهل المذهب الشافعي والحنبلي ويسكنون في مكان قريب من بندر (ميناء) ديلم، ويوجد أيضا بندر اسمه كونك (كنج) فيه سبع أو ثماني عشائر يطلق عليهم أسم حوله (الهولة) كلهم عرب من أتباع المذهب الشافعي.
وقد وقعت فتنة في البحرين بين هذه العشائر الثلاث حصلت بسببها عداوة بينهم، ووقعت صدامات في عرض البحر، وقتل منهم ثلاث أشخاص غدرا، الأمر الذي جعل التجارة والمهاجرين يتخوفون من القدوم إلى البصرة.
أغلب السفن التي تتنقل بين هذه الموانئ في تلك المنطقة هي سفن هذه العشائر الثلاث. وبسبب العداوة يقومون بإطلاق النار على بعضهم البعض إذا تلاقوا في عرض البحر.
وفي أحد الأيام قامت عشيرة حوله بمهاجمة عشيرة العتوب التي هي حليفة عشيرة الخليفات في البحرين وعلى حين غرة قتلت 400 من رجالها واستولت على جميع أموالها. وهرب الناجون من العتوب إلى حلفائهم من الخليفات، ثم اتفقالاثنان العتوب والخليفات وقالا: لم يبق لنا أمان في البقاء في بلاد العجم، فلنذهب إلى مدينة البصرة التابعة للدولة العلية، وبالفعل جاؤوا ودخلوا أراضي البصرة وعددهم ما يقارب2000بيت، وهم الآن موجودون فيها. وقد جاء إلي أنا مأموركم في البصرة بعض وجهائهم والتمسوا لأنفسهم طلب البقاء قائلين: أننا من أهل السنة والجماعة تركنا بلاد الرافضيين، ولجأنا إلى سلطان المسلمين للعيش في أراضيه وأنتم أعلم بما يصلح حالنا.
لم يخصص بعد لهم مكان معين للاستيطان والأفضل أن يبقوا هكذا للنظر إن كانوا سيبقون في البصرة بشكل دائم عندها يخصص لهم مكان للإقامة. يملك هؤلاء ما يقارب 150 سفينة في كل سفينة اثنين أو ثلاثة مدافع وعلى متن كل سفينة بين الثلاثين إلى أربعين مسلح بالبنادق< (نشأت الكويت: سلوت ص121).
ويؤكد نزول العتوب والخليفات القادمين من الديلم المخراق الحكاية الشعبية التي يرددها كبار السن في الفاو أن تسمية المدينة جاءت بسبب سفينة لأهل الديلم غرقت قرب الفاو فسميت المنطقة باسمها، فالمراد بأهل الديلم هم العتوب والخليفات.
وكانت المخراق يومذاك أرضا جرداء لا زراعة فيها، فلم يتمكن العتوب من تأمين مصدر رزقهم إلا بممارسة القرصنة على السفن التجارية المتجهة والخارجة من البصرة، مما أثار قلق وانزعاج الحكومة العثمانية في البصرة، فشنت عليهم حملة عسكرية طردتهم منها في بداية القرن الثامن عشر، قال الرشيد: ((ويقال في سبب تحولهم عن المخراق أن الحكومة العثمانية طردتهم منه، لما كانوا يقومون به من السلب والنهب، وقطع الطريق في هاتيك الجهات)). (تاريخ الكويت: عبد العزيز الرشيد ص36)
وبعد هذه الحملة فرَّ آل خليفة ومن معهم الى ضفاف خور الصبية الواقع جنوب غرب أم قصر، لكن لم يطب لهم المقام لضيق المنطقة، وقيل: إن قبائل الظفير كانت تنوي مهاجمتهم، ففروا الى كوت بني خالد أو ما يسمى حصن ابن عريعر (الكويت حاليا). (تاريخ الكويت للرشيد:36، دراسات في الخليج:101، الإيجاز في تاريخ البصرة والإحساء ونجد والحجاز: عارف مرضي الفتح:1/ 574)
ثم تراخت قبضة بني خالد عن حكم الكويت بسبب الصراع الذي نشب على السلطة بين أفراد العائلة بعد وفاة سعدون سنة 1722، وقد تمخض عن استقلال القبائل الفرعية الأخرى من بني خالد في شؤونهم الداخلية. ولم تكن الخلافات على الحكم هي السبب الوحيد لضعف حكم بني خالد، بل وبسبب تصاعد قوة الوهابيين في أواسط الجزيرة وانعكاساتها على منطقة نفوذ بني خالد، فوجد العتوب الفرصة سانحة لبسط نفوذهم على الكويت والاستقلال بحكمها، ولم يتحقق لهم ذلك إلا في حدود عام1752م. (تاريخ شرقي الجزيرة: مصطفى أبو حاكمة ص77)
وبعد الاستقلال بحكم الكويت اقتسم العتوب الواردات المالية والشؤون الإدارية، فكان الحكم حصة آل الصباح، وتولى الجلاهمة شؤون البحر، فيما انخرط آل خليفة في التجارة.
أما غزو البحرين واحتلالها من قبل آل خليفة والعشائر المتحالفة معهم فقد جرى سنة 1197هـ/1783م، وقد اجتمعت في هذه المحاولة كل الدوافع السياسية والطائفية والاقتصادية حيث بدأ آل خليفة يشعرون بالتوسع السعودي الوهابي، فأصبح الانتقال الى مكان آمن أمرا ضروريا بالنسبة لهم، خصوصا وأن السعوديين لا يملكون أسطولا بحريا فمن الممكن أن تقي الحواجز المائية آل خليفة من شرور الوهابية.
أما أبو القاسم عباس بن المونشي الوكيل الوطني البريطاني في البحرين، فقد ذكر في رسالة الى القنصل البريطاني في الخليج عام 1783م أن سبب قيام حاكم البحرين بمحاربة أهل الزبارة _آل خليفة وحلفائهم_ هو أنهم قتلوا واحدا من غواويص البحرين. (تاريخ البحرين السياسي: فائق طهبوب:49)
ويقول جلال الأنصاري شارحا الأسباب الحقيقة لغزو آل خليفة للبحرين: >أدى مقتل كريم خان زند وما تبع ذلك من أحداث الصراع في شيراز بين زكي خان _ابن عم كريم خان_ وصادق خان والتي انتهت باغتيال زكي خان واستيلاء صادق خان زند على إيران، كل هذه الأحداث جعلت العتوب يتحسسون ضعف الشيخ ناصر بن مذكور المذكور وخصوصا عندما بلغهم خبر احتلال شيخ تنكستان، (وهي مقاطعة تقع جنوب بوشهر ويتكلم أهلها بلهجة فارسية خاصة تسمى التنكسيرية) لبندر بوشهر مقر الشيخ ناصر. ونتيجة لذلك هاجمت مجموعة من عرب العتوب (آل خليفة) جزيرة البحرين عام 1196هـ/1782م واستولوا على عدة سفن تابعة لبندر بوشهر وبندر ريك، كما وأجبروا رجال الشيخ ناصر المذكور على الانسحاب إلى القلعة فنهبوا المدينة (البحرين) وخربوها، ثم عادوا إلى الزبارة آخذين معهم جالبوتا (نوع من السفن الكبيرة) من جلابيت بوشهر كان قد أرسل إلى البحرين لتسلم الضريبة السنوية.
أغضبت تلك التعديات الشيخ ناصر المذكور، فأرسل إلى آل خليفة يطالبهم باسترداد الأسلاب فرفض آل خليفة وحلفاؤهم ذلك، مما أثار هذا الرد السلبي غضب الشيخ ناصر المذكور وعزم على تأديب آل خليفة.
فأعدَّ حملة على الزبارة التي يسكنها العتوب _آل خليفة وحلفاؤهم_ بقيادة محمد بن سعدون آل مذكور ابن أخ الشيخ ناصر، وضمت الحملة رجالا من قبيلة كعب، وبندر ريك، وشيخ هرمز، والقواسم وأبحر الأسطول من بوشهر إلى الزبارة، وتمكن من محاصرة العتوب سعيا لإجبارهم على الصلح< (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص149)
لم يكن يريد الشيخ ناصر المواجهة مع العتوب والدخول في حرب عربية عربية، فقد كان على ظهر أسطوله ألفي رجل من العرب، وكان بإمكانه مهاجمة الزبارة فورا بهذه القوة الكبيرة، لكنه عرض على آل خليفة إعادة المنهوبات، فلما رفض العتوب الطلب، قام بمحاصرة الزبارة في محاولة لفرض السلام والصلح >لكن العملية فشلت في إجبار العتوب إلى الجنوح إلى الصلح، مما دفع بالقوات المحاصرة للزبارة بالنزول إلى البر للاستيلاء على القلعة، وعندما نزل رجال الشيخ مذكور إلى البر هاجمهم العتوب بقوات كبيرة من العتوب وعرب الظفير وقبيلة آل محمد البلوش الذين أرسلوا من البصرة بأمر من الوالي العثماني... فكان هذا العدد أكبر بكثير مما يتوقع آل مذكور، فقتل قائد الحملة محمد بن سعدون آل مذكور، وقتل الشيخ راشد القاسمي، وتعرضت البحرين إلى غزو من البحر من عتوب الشمال آل الصباح، فاضطر المقاتلون إلى الانسحاب< (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص150)
ويعكس النبهاني سبب الحرب والغزو الخليفي للبحرين فيقول: >إن آل خليفة أرسلوا عبيدا لهم الى البحرين لشراء جذوع النخل، فوقع شجار بين أهل البحرين وعبيد آل خليفة أسفر عن مقتل أحد العبيد، فاستثمر الخليفيون هذا الحادث ووظفوه طائفيا، فألبوا القبائل القطرية وغيرها من قبائل نجد التي كانت قد تجمعت في قطر فرارا من الزحف السعودي االوهابي، وأرسل آل خليفة في بادئ الأمر زمرة مسلحة دخلوا البحرين على حين غرة من أهلها فقتلوا ستة من أهل البحرين ولاذوا بالفرار<. (التحفة النبهانية ص58)
ولم يقف البحارنة وحكامهم آل مذكور مكتوفي الأيدي إزاء هذا الاعتداء السافر، فاشتعلت نيران الفتنة بين الطرفين يأججها آل خليفة لمآربهم الخاصة، وقد استمرت الحروب بين الطرفين سجالا من سنة 1777 حتى سنة 1782م، حيث تحالفت مجموعة كبيرة من القبائل العربية مع أهل البحرين لردع المعتدين من آل خليفة وأتباعهم، فاجتمع آل مذكور شيوخ البحرين وبوشهر، وبنو كعب، وقبائل الهولة العربية، والقواسم شيوخ رأس الخيمة والشارقة وهاجموا الزبارة لكسر شوكة آل خليفة وحلفائهم. إلا أن آل خليفة كانوا قد طلبوا النصرة من عتوب الشمال _آل الصباح في الكويت_ فتوجهت ست سفن كبيرة من الكويت الى البحرين تحمل من المتطمعين (المرتزقة) ناسا كثيرا، إضافة إلى مساهمة والي البصرة العثماني، بإرسال قبيلة آل محمد وهم فرع من البلوش للقتال إلى جانب آل خليفة وحلفائهم. (مجموع الفضائل: راشد البنعلي ص59)
وبالرغم من فشل حكام البحرين _آل مذكور_ في الدفاع عن البلاد، إلا أن الشعب البحريني لم يستسلم للقوة الغاشمة، فأبدى مقاومة عنيفة في صدِّ الهجوم الخليفي. وتشير الروايات الشعبية المتوارثة التي تؤكد أن سواحل البحرين امتلأت بجثث القتلى من أبناء الشعب، وبدمائهم، دليلا على أن أهل البلاد أبدوا مقاومة باسلة لآل خليفة.
ويبدو أن البحرين لم تسقط سريعا بيد آل خليفة، إذ استمر أهل البلاد بالمقاومة، ولم يتمكن الغزاة من سيطرة عليها سيطرة كاملة إلا بعد مضي شهر أو أكثر من المقاومة الشعبية، وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على وجود المقاومة الشعبية بالفعل، وحالة الرفض والاستنكار التي أبداها الشعب في مقابل الاحتلال الخليفي للبحرين.
وفي ضوء هذه الحقائق التاريخية السالفة لا يختلف احتلال البحرين بشيء عن احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، ولعل في أوجه التشابه في سياسات الدولتين العبرية ودولة آل خليفة تجاه الشعب البحراني والشعب الفلسطيني خير دليل على أن كلا الكيانين غاصبان محتلان.