أشـبـاه المسـؤولـيـن

 

لا تزال مسارات التشاورات بين الكتل السياسية المتنفذة تراوح بين شـد وجـذب ، داخل وخارج البرلمان ، وما يرافقها من إجراءات و تعقيدات بشان تشكيل حكومة التكنولوجية القادمة المزعومة ، وان الخروج بنتائج ايجابية مثمرة ، بات أمرا يبدو بعيد المنال، في ظل تفاقم المشكلات ، وهي بمثابة الصدمة للبعض لاسيما للأوساط الجماهيرية التي لا تنفك تطالب بالتغيير والإصلاح أثناء التواجد والمشاركة في سلسلة التظاهرات والاعتصامات .. ، لكننا لم نلمس لحد الآن من السياسيين الذين بيدهم الحل والربط سوى المزيد من الوعود والمماطلات والتسويف في تحقيق الاستحقاقات الشعبية المزمنة و المتمثلة بالقضاء على أشكال الفساد الإداري والمالي .

هنا أود الإشارة من  واقع خبراتي المتراكمة على امتداد خدمتي المؤسساتية الوظيفية الطويلة  ، وأنا اتامل في أسباب و مسببات التردي الخطير الحاصل في حيثيات العمل الوظيفي الحكومي ، حيث وجدت العديد من علامات الاستفهام والتعجب ، بصفتي كاتبا وأديبا مهتما بقضايا بلدي ومجتمعي ، فالكاتب هو ملاحظ دائم و مراقب ينقب داخل مجتمعه كما يقول ( بلزاك ) ، ولا يقوم بالتوقف عن البحث والتحليل والتساؤل ، إذ اكتشفت إن السبب الرئيس وراء تصدع وانهيار منظومة البنيان المؤسساتي في الدولة ، هو إن اغلب المناصب الحكومية على مختلف المواقع والدرجات الوظيفية من الأدنى إلى الأعلى ، جاءت بلا استحقاق يذكر ، وهذا الأمر ليس وليد المرحلة الحالية فقط ، لكن الحقيقة الساطعة إن الواقع الحالي هو الأكثر سوءا على نحو ملموس بسبب ضعف القدرات وانعدام الكفاءات ، حتى صار لدينا ما يحلو للبعض أن يطلق عليهم عبارة ( أشباه المسؤولين ) الذين يملأون المرافق الحكومية وتتضخم أعدادهم يوما بعـد آخر من خلال استحداث وظائف ومراكز وظيفية جديدة ( بالوكالة ) ابتداء من مسؤول شعبة و مدير قسم ومدير دائرة وخبراء و مستشارين و وكلاء وزارات أيضا ( محاصصة و تكنوقراط ).

لذلك صرت أطالع الغالبية العظمى من الموظفين ينتابهم أحساس كبير وشعور عظيم بعدم الرضا الوظيفي ، أدى إلى تراجع واضمحلال الاندفاع لأداء الواجبات المناطة بهم ، بسبب عدم حصولهم على القناعة الكافية بالمسؤولين ، فـقـد روى لي احد الأصدقاء انه يمتلك تراكم خبرات إدارية وفنية مشهودة ، فضلا عن سنوات خدمة فعلية أكثر من رئيسه المباشر( مسؤوله ) في العمل ، الأمر الذي جعله يحتكر ويخفي المعلومات والبيانات المتعلقة بسير العمل محتفظا بها لنفسه ، دون أن يقدمها  ( لمسؤوله ) الذي جيء به عن طريق الوساطة والمحسوبية إلى موقع وظيفي لا يستحقه البتة ، بعيدا عن المعايير والمقاييس الوظيفية النوعية ، هنا قلت لصديقي معاتبا : – وهل تعمل عنده يارجل ، وتابعت قولي له : –  أنت تعمل موظفا حكوميا ينبغي عليك أن تبذل جهدك للصالح العام بما يمليه عليك الواجب المكلف به من وحي ضمير حي ، فقال لي : – ياترى أين هو ضمير السادة المسؤولين حينما تم تعيينه في هـذا المنصب وشموله بمخصصات المنصب وكذلك شموله ببقية الامتيازات المتمثلة بالأجور المرتفعة والمكافآت والحوافز والايفادات و .. الخ . لذلك اعتقد إننا اليوم نواجه قيم و مفاهيم جديدة في العمل ، ترتبط بالانتماءات والولاءات التي تحددها المصالح الذاتية والمنافع الشخصية في سياقات لاتمت بصلة إلى جوهر الفعل اليومي المؤسساتي .