لعبة الأضداد بين البرلمان والرئاسات

 

ما حدث في البرلمان لا يمثل وجهاً سيئاً للديمقراطية ، لقد حدث ما يناظره في برلمانات اخرى في العالم ، لكنه في حقيقة الامر يمثل تراكمات المشهد السياسي المعقد الذي عصف في البلاد منذ امد بعيد وهو نتيجة لما  تولد عن مراحل انعدام الثقة واستشراء اللا يقين ، لقد حدث هذا عندما وضع المسؤول الحكومي والبرلماني نفسيهما خارج حدود القانون متخطين شرائع اخلاقية معترف بها دوليا ، وبهذا التصرف اظهرا وبشكل ملفت للنظر القدرة على المراءات والظهور على غير حقيقتهما ، ناهيك عن عزوف اغلب النواب والوزراء عن رؤية الحقائق الماثلة امام اعينهم وانسياقهم وراء جاذبية المال الحرام حتى بلغ بهم الامر الى حد الاستهزاء بالشعب وليس تجاهله فحسب ، ولعل هذا الامر يعبر عن رضاهم على انفسهم فقط لاسيما وانهم ما برحوا يحدقون منذ زمن بعيد بمرآة كاذبة لا تقوى على عرض صورة صاحبها كما هو بل كما يريد ويرغب وقد دفع بهم ذلك التصرف للوقوف على زجاج هش ومع ذلك واصلوا التلاعب بمقدرات الشعب فيما سعت الاغلبية منهم الى الدخول في تحالف مع الشر والرذيلة التي تنبعث منها رائحة الفساد واحتراف السرقة بشكل مكشوف .ونحن نتساءل هل عادوا هذه المرة الى صوابهم ورشدهم واستمعوا الى صوت الضمير الماثل في دواخلهم وكفوا عن اعتبار العراق بأكمله ملكاً لهم وهل التصويت بما مجموعه (174) نائباً بأقالة رئاسة البرلمان هو الخطوة الاولى في طريق اقالة الرئاسات المتبقية .وهم أنفسهم الذين تجاهلوا مطالب المتظاهرين المنادية بالاصلاح طوال الفترة الماضية ام ان عملهم هذا اقل ما يقال عنه انه مقرون بالتصنع وجزء من لعبة امتصاص غضبة الشعب عبر اشاعة مظاهر الانقسام بالرأي في البرلمان .ان ثمة مشتركات كثيرة تجمع بين اعضاء مجلس النواب والرئاسات الاخرى تتمثل بأنهم يتمتعون بمستوى من العيش منفصل عن عامة الناس ويتملكهم شعور نابع من امتيازاتهم التي تشكل مدعاة لغلوهم وتعاليهم على ابناء الشعب ، مما يجعلهم حريصون على عدم الانسياق وراء ما هو في غير صالحهم . وتبعاً لذلك فأن هذه اللعبة تنطوي على جدلية الاضداد المتناقضة في العلن والمتفقة في السر . في غضون ذلك يلعب رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي دوراً فاعلاً في هذه اللعبة بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الكتل الحاكمة نفسها ، اما اصلاحاته وكابينته الوزارية (التكنو قراط) فقد ولدت ميتة وتكاد ان تكون ضرب من الخيال إذ لا تشكل في حقيقتها سوى محاولة يائسة لردم الهوة الساحقة بين الحكومة و الشعب ولم ينجم عنها غير نتائج ضئيلة الاثر وذلك لكونها اصبحت عرضة للتصدي من غالبية الاحزاب والكتل الحاكمة التي يعترف العبادي نفسه علناً بأنه جزء منها الامر الذي جعلها واضحة للعيان مهما حظيت من التغطية والتسويف . ويتضح من ذلك كله ان الجميع لا يتصرف بمليء ارادته بل بأيعازات  مستمرة من احزابهم ما يؤشر ان ما يفعلونه هو بداية الطريق الذي لا بد ان يؤدي الى الانهيار بسبب عجز السياسيين المنطوي عن فقدان حرياتهم في شؤون البلاد والتي من شأنها تعطيل أي دور يقوم به السياسي امام اعين الناس ، وبأزاء ذلك يلجأ السياسي الى تجريب منطق الاختفاء وراء الاقنعة لتقديم صورته وتسويقها بأشكال مختلفة وجديدة مرة تلو الاخرى .