بعد أن احتل الامريكان مدينة الناصرية في نيسان 2003 .هبت الناصرية متوجهة الى مبنى المحافظة يوم سمعوا ان السياسي المعارض أحمد الجلبي جاء مع جيشه الذي كان يدربه في براغ وسيلقي خطابا من شرفة مبنى المحافظة .
ذهبت مع الناس لارى هذا الرجل الذي رحل عن عالمنا الآن ، فأطل على الناس بأبتسامة عريضة وكانت ابنته معه وتحدث عن وعود التحرير ، المباني الجديدة ومدن الالعاب والمشافي والشوارع المبلطة والحصول على الفيزا بيوم واحد الى اي بلاد في العالم . وختم خطابه : مدينتكم التي عذبها الدكتاتور تستحق كل هذا وستتحول الى جنة ما دامت هي موطن ولادة النبي ابراهيم الذي سازور بيته بعد هذا التجمع .
وفعلا ، غادر المرحوم ( الجلبي ) مبنى المحافظة الى قاعدة اور الجوية القريبة بنصف ميل من بيت النبي السومري ، ولم تعد الناصرية تراه الى يوم وفاته.
أنا لايهمني خطاب الجلبي ، بل يهمني الشرفة الجميلة لمبنى المحافظة والتي منها القى خطابه ، فبعد طلة الرجل علينا تم اهمال المكان وقصف بالطائرات والمدفعية في بعض اجزاءه ولكنه بقيَّ شامخا حتى الامر الحكومي المحلي بتهديم البناء ، وكان بالامكان اعماره بسهولة لكنهم ربما كانوا متقصدين في قتل بعض من جمال الذاكرة المعمارية للمدينة .
وحتما المقاول الذي هدم البناء باع طابوقة ( الجف قين ) الاملس والاثري بأبخس الاثمان وليتحول المكان الى كراج للسيارات وسط اكوام التراب والسكراب والفوضى.
كلما امر على الاطلال الخربة للمكان ، واتذكر لمعان الطابوق الاصفر والايوانات والممرات والغرف العالية لهذا المبنى الاثري والاداري الذي عاش عهود الملكية والجمهورية ، يسكنني الالم والحسرة والتسائل :كيف فكر المسؤول بتهديم شيء من حضارة مدينته ، وقبل ذلك هدموا مبنى البلدية ذو الطراز المعماري الجميل وبيوت الشناشيل اليهودية في شارع التوراة ونادي الموظفين في الناصرية ومبنى سينما الاندلس والبطحاء الشتويتين ومبان اخرى.
الآن أتساءل : لو كانت تلك الابنية في مدينة اوربية ، هل يتجرأ اي مقاول ليبيع طابوقة واحدة