الباشا التكنوقراط

 

في العهد العثماني، شغرت وظيفة (وزير)، وأعلنتها الصحف، والشروط الواجب توفرها في من يتقدم لإشغال هذه الوظيفة السامية، والامتحان الواجب على المتقدم اجتيازه، مع التأكيد الشديد ان يكون المتقدم من (التكنوقراط). فتقدم جمع كبير من البكوات والباشوات للوظيفة العالية المغرية.ذكر ذلك الباحث حسين حاتم الكرخي في كتابه (مجالس الأدب في بغداد)، في معرض الحديث عن مقهى (البيروتي) وما كانت تدور فيه من أحاديث شتى حول العلم والأدب وأثر الذكاء والنشاط والمعرفة في تدبير الأمور وتمشية الحال.ونكمل الحكاية.. فقد كان – آنذاك – في اسطنبول أحد الباشوات التكنوقراط، فحثّه خادمه أن يتقدم لامتحان الوزارة ويملأ استمارة (الترشيح)، لا سيما وان (كتلته) التي هي عشيرته آنذاك مؤيدة وتبصم له بالعشرة.في يوم الامتحان، ذهب الباشا التكنوقراط ومعه خادمه الأمين إلى المنطقة الخضراء، وبعد توزيع أوراق الأسئلة، بدأ الممتحَنون بالإجابة. وعن سؤال السيرة الذاتية أجاب الباشا التكنوقراط:

(نهضت اليوم في الصباح الباكر، مريت بسوق مرمرة، شفت الطماطة العال، والبيتنجان الفاخر، وكان اللحم الحُجة بقران، وشفت الميوه اللاحكة، والبامية المفتخرة، وشفت قصر مال بيت حجي سليمان، عجبني كلش، والله هاي اسطنبول صايرة قطعة من أوربا).

بهذه السفاسف ملأ الباشا ورقته وسلّمها إلى لجنة الخبراء والمحكمين وخرج قبل الجميع.

وفي الطريق ، قال الخادم لسيده:

– باشا ! شلونها الأسئلة، وشلون جاوبت جنابك.

فرمقه الباشا بنظرة سخرية، ثم أجابه:

– إمشي ابني إمشي، روح على شغلك، هاي الوظيفة ماكو احد غيري ياخذها.

 

وبالفعل فقد أعلنت الصحف نتائج الامتحان، وإذا بالجميع ساقطين إلا صاحبنا الباشا التكنوقراط فقد نجح بدرجة ممتازة، وهنا صاح على خادمه وقال له:

 

– ها؟ آني اشكتلك؟ مو كلت هاي الوظيفة ما كو أحد غيري ياخذها، ولعلمك جان السؤال فلان شي، واني جاوبت فلان شي.

 

فأجابه الخادم باندهاش:

 

– والله عمي الباشا، آني متعجب! بس اشلون صارت هيج، خصوصا الأسئلة ابوادي وجوابك ابوادي ثاني.

 

هزّ الباشا رأسه وقال:

 

– إبني، هذوله ما يريدون واحد ذكي وشاطر ومشيطن ويفتهم، لذلك سوّيت نفسي خروف ونجحت.