الإبادة مازالت مستدامة

 

 من لم يزر مخيمات النازحين الايزيدين لا يدرك حجم المعاناة التي تعيشها هذه الاقلية الدينية في المخيمات الواقعة بحدود محافظة دهوك (شمال العراق) قد يظن البعض ان الابادة انتهت وان الايزيدين نفذوا بجلدهم من هجمات الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) لكن من يتعمق في التفكير بوضع الايزيدية ويزروهم في مخيماتهم يرى عكس ذلك تماما ويجد ان الابادة لازالت في ذروتها ولاسيما هناك الاف من المختطفات الايزيديات في سجون تنظيم داعش ناهيك عن الشهداء والجرحى والاطفال اليتامى والارامل والنازحين الذين يعيشون ظروفاً مأساوية تفوق كافة التصورات .

خلال زيارتنا الى مخيم “خانكى ” للنازحين الايزيدين برفقة بعض الخيرين وجدنا ان الاوضاع مأساوية جدا وان محنة الايزيدية لازالت تدور في دوامة مغلقة دون ان يتلفت اليها المجتمع الدولي والحكومة العراقية وحكومة الاقليم .

كيف لا واليوم رأينا انه يوجد 11  أسرة ايزيدية تعيش في خيم وسط المجمع وليس فيها اي رجل حيث ان تنظيم داعش قام بقتل وخطف كافة رجالهم دون ان يعرفوا شيئا عن مصيرهم حتى اللحظة .

هذه الأسر جميعها نجت من بطش تنظيم داعش الارهابي بعد المكوث في سجونهم نحو تسعة اشهر وهم عانوا الويلات خلال فترة احتجازهم .

تقول احدى تلك النساء التي لا تعرف شيئا عن مصير زوجها بانهن ” تمكن من الفرار من سجون داعش بعد ان قامت الطائرات بقصف مقرات داعش في بلدة تلعفر ” تضيف انها برفقة اخريات ” في فترة الليل كنا نسير ونسد افواه الاطفال لكي لا يحسوا بنا وفي وضع النهار كنا نختبيء في الاودية والمنازل القريبة لكي لا يحسوا بوجودنا وابنتي البالغة من العمر ثلاث سنوات كثير من المرات كنت افكر ان اتركها هناك لكن قلبي لم يطاوعني وتحملتها الا ان وصلنا الى بر الامان بعد السير لمدة 3  ايام متتالية ” .

أما فتاة تبلغ من العمر نحو 16 عاما كانت تمسك في يدها دفتر وقلم وتكتب معاناتها ومعاناة اهلها وتضعها على شكل قصص تقول ” قبل مجيء داعش كنت في الصف الثالث المتوسط وكنت متفوقة في كل شيء وكنت الاولى على مرحلتي دائما لكن تنظيم داعش قضوا على حلمي وقتلوا فينا كل ماهو جميل قتلوا شقيقي واقربائي وعلى أثره تركت الدراسة ولم اعد استطع المواصلة تتسائل وبنبرة حزن عميقة : كيف ارتاد الى المدرسة وشقيقي واصدقائي ليسوا معي ووجودهم اصبح مجرد ذكرى وبعض الصور التي لا تفارق خيالي . فيما تقول أمراة مسنة بالغة من العمر نحو 60  عاما وهي تجهش بالبكاء ” اتصلت بي ابنتي التي نجت من يد داعش وحاليا في المانيا لتلقي العلاج هل سوف تلونون البيض بمناسبة حلول رأس السنة الايزيدية ؟! فقلت لها : ابنتي العزيزة كيف لنا ان نعيد ونفرح وهم قتلوا شقيقك الذي كان يلون لنا البيض بشتى الالوان في كل رأس سنة مضيفة لا اعرف ماذا ذنبنا لكي يفعلوا بنا كل هذا. وتشير بيدها الى طفلة صغيرة جالسة في زاوية الخيمة التي كنا فيها هذه الفتاة الصغيرة التي ترونها هي الوحيدة التي نجت من أسرتها ومنذ اليوم الاول من الابادة لا احد يعرف عنهم شيء “.

مشاهد ومواقف تقشعر لها الابدان وجدناها اليوم في مخيم خانكى حيث رأينا في بعض الخيم وجود اطفال يتامى ومعوقين وناجيات وناجين من يد داعش الارهابي يعيشون اوضاع صعبة للغاية ولم يقدم لهم الجهات الرسمية اي دعم.

أمراة كانت تعيش في خيمة تفتقد الى ابسط مقومات العيش تقول لدي ثلاثة اطفال يتامى والدهم توفى في جبل سنجار ولا أملك اي شيء لكي اعيلهم وفي بعض الاحيان ابيع حصتي من المواد الغذائية لكي استطيع ان اشتري لهم بعض الخضار “.فيما يوضح رجل مسن نحو 62  عاما أن ستة اشخاص من أسرته لقوا حتفهم في بحر ايجة اثناء محاولتهم التخلص من بلدهم اللعين والوصول الى بلد يحترمهم كأنسان لكنهم لم يفلحوا بالنجاة وكان البحر لهم بالمرصاد واخذ ارواحهم.

مشاهد مأساوية لازالت عالقة في اذهان من التقينا بهم بعد مرور نحو سنتين من تهجيرهم من ديارهم دون ان ينسوا لحظة من لحظات الحزن الذي اجتاح روحهم .

لكن ما لفت انتباهنا في زيارتنا هو الكرم الذي يتمتع به كل هولاء النازيحن رغم عدم امتلاكهم لاي شيء تراهم يلحون عليك لكي يقدموا لك وجبة غذاء او قدح شاي اي كرم واي انسانية تمتلكون يا قوم الابادات .

الشيء المفرح الذي صادفنا هو اصرار الطلبة على مواصلة تعليمهم رغم كل شيء في الكثير من الخيم التي زرناها وجدنا ان الفتيات والشباب كانوا يحملون الكتب والاقلام ويقرأون وكأنهم يوجهون رسالة للعالم ولازلام داعش ومن يحمل فكره المتطرف باننا شعب حي باننا لا نموت وسوف نواجهكم بعلمنا وانسانيتنا وسوف نتغلب عليكم باصرارنا وتحدينا لكافة الظروف .