ما بين الغيبة والذكرى

 

يعد المغيب عزيز السيد جاسم رائداً متميزا في شتى مجالات الفكر والادب  كموسوعة علمية وادبية ثقافية فان اسلوبه الابداعي تحول الى منهج رائج في العصور اللاحقة فكأن  مؤلفاته خطها هي بريشة فنان تشكيلي وليس مفكراً وكاتباً في مجالات الادب والفكر والسياسة هي رسائل كبرى للتعبير عما يختلج في النفس البشرية من مشاعر الانفعالات التى تعجز عنها اللغة العادية وتسقي ألارواح بهدوئه وتملأ الاذان  عسل البنان وتستنشق أجمل العبارات وأرق النبرات لتلامس أعظم التراث الذي امتطاه الرواد الخالدون لتلك الكنوز الفكرية  التي نقشها كبار الكتاب والمفكرين  والمغيب من بينهم والتي  ستظل ذكراهم خالدة من خلال تلك النتاجات الوانا منغمسة  مع مواويلهم ..

نعم ايها الراحلون فان للموت ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر وقد ترهق وقد تصفو وقد تضحك وقد تبكي ..

ترحلون عن دنيا الفناء  ولكن ستظل الصفات الانسانية الرائعة تعيش بيـــننا نعم ذهبت اجسادكم ولكن مجرد ان نتصفح مؤلفا الا وتتجسد ما بين السطور ذلك الخالد بروحه وهي تحلق من خلال السطور في ذلك المؤلف سواء كان ديوان شعر او مسرحية او رواية او اي عمل ادبي..

وصف العديد من النقاد نتاجات السيد جاسم  ومؤلفاته المتنوعة بانها عميقة الاسلوب رصينة البيان واضحة سلسلة يجسد بين طياته ابتكار المنهج والاسلوب ومنهلا للاجيال الحالية والمقبلة كي تستقي من هذه الينابيع الفكرية الرقاقة كنوز المعرفة والادب والفكر الفلسفي بكل الوانه كان (فاعلاً في الحياة الثقافية بمكوناتها الفكرية والأدبية والسياسية والتنظيمية إذ من الصعب أن تجد مفكرين وأدباء شاركوا فعلياً في تنظيمات فلاحــــــية وعمالية واسعة في العراق لكنه كان سباقاً إلى ذلك).

وهكذا ان احتفالية استذكار المغيب السيد جاسم يعني الحديث عن  مفكر واديب قدم الكثير من المؤلفات المهمة في الفلسفة والادب والسيرة والتاريخ والفكر السياسي والاجتماعي وتوقف امام كل ظاهرة سياسية او ادبية في مرحلته وقدم عنها ما يدل عليها ويكشف عن ابعادها وكوامنها وجوانبها الراهنة والمستقبلية كما خصص عددا من مؤلفاته للصوفيين والقديسين والشهداء واعطى للشهادة عنوانا بارزا في تلك المؤلفات.

وقال عنه الاديب الراحل خضير ميري في احدى الاستذكارات أن السيد جاسم (له ميزة مهمة فهو كان يكتب كتاباً فلسفياً وفي نفس الوقت يكتب الرواية) وتمنى ميري ان (نتمسك بالمشاريع التي قدمها المغيب  وان يصدر كتبا عنه مثل ديكارت وسارتر)..

ترى هل ان الجهات الثقافية المعنية سوف تحقق امنية ميري بعد وفاته في حفل االاستذكار للعام الجاري؟ ام انها تمر دون ان يشار اليه والى المئات من كتاب العراق وادبائه وفنانيه ورجالاته الراحلون مرور الكرام..

ان الاحتفاء بالذكرى السنوية لغيبته في اتحاد الادباء والكتاب هو اعتزازا وافتخارا بمنجزه الابداعي الذي اصبحت له إشعاعاته وتوهجاته في ميدان الكتابة وقد تسابق الادباء والشخصيات التي خصت بهم قاعة الجواهري في الحديث وحفاوتهم الكبيرة بقامة من القامات الادبية الشاهقة كنخيل العراق على ضفاف شط العرب انه شيء عظيم ان تكون للشعوب ذاكرة وتحتفل بمثقفيها ومبدعيها وهذا الشيء يؤكد قيما وتقاليد ثقافية ينبغي ان نسعى الى تركيزها في مجتمعنا هذا وفي ثقافتنا ان تكون عندنا ذاكرة ويكون عندنا تاريخ للثقافة العراقية نحترمه جميعا ونعتز به جميعا ..

سلاما لكم المفكر الكبير عزيز السيد جاسم في ذكراك السنوية فانك حي والله في ضمائرنا بكل تلك النتاجات الثرة التي تبقى خالدة  كما هما الرافدان دجلة والفرات ..