غابت الرحمة

 

الإنسانية كلمة مهجورة في قاموس أولي الأمر ، ولا تجد لها أي معنى ، حتى عندما يستعملونها ، لا تتعدى حيز ما يخط من شعارات مضللة توهم الناس ، أن لهم حقوقا يكفلها الدستور الذي أصبح هو الآخر حبرا على ورق ، حتى أن منظومة القيم السماوية المتوارثة ، التي تدعو للرحمة والشفقة وثوابتها غابت عن عقول الساسة ، مثلما غابت النزاهة في فوضى الفساد المستشري في بلد نال المراتب المؤسفة بكل ما هو سيئ ، والمصيبة أعظم عندما نصاب باليأس والإحباط وخيبة الأمل  ، يا رب بمن نستعين ومن من نطلب الرحمة ونستغيث ، بعد أن ضاقت صدورنا ، ونفد صبرنا؟ تحملنا الكثير من الظلم والتعسف ، والذل والعذاب ، نحن في خريف العمر ، أدينا ما علينا من واجب في خدمة هذا الوطن ، أرحموا الشيخوخة وما يرافقها من الأمراض المزمنة وهموم المعيشة ،الموظف المتقاعد يحمل ذاكرة سنين عمره بما وفر في صندوق التقاعد التكافلي ، ليترتب له راتب عند بلوغ السن القانوني دون منة من أحد ، يعينه للوصول إلى قدره المحتوم ،  و دون أن يمد يده للمحسنين ، وما أكثر المتسولين في بلاد الرافدين . اليوم 10 \4 المكان مصرف الرشيد في الصالحية ، أقف وسط حشد كبير من المتقاعدين بعد أن سلمت البطاقة الذكية للسيدة الجالسة في القفص الزجاجي ، في صالة ألانتظار خمسة خطوط من الكراسي كل خط أنتظم بأربعة كراس، عدد الوقوف أكثر من عشرة أضعاف الجلوس ، الانتظار وقوفاً متعب وممل وسط الزحام والضجيج ، يوم شاق مرير وقد أكن أحسن حالاً من البعض رغم أني تجاوزت العقد السابع بثلاث سنوات ، ننظر للماضي بعين وللحاضر المرير بعين ، كان الدينار العراقي ذهبا ، واليوم لا يساوي قيمة الورقة ، لا يغني من جوع ، ويتبخر عند مراجعة ألأطباء والصيادلة الذين غابت عنهم النظرة الإنسانية ، هذا الجمع المتهالك ينتظر نداء السيدة ليبصم ويستلم ويغادر ، والبطاقة الذكية تتغابى مع بعض المسنين فلا تعكس أي أشارة من الجهاز الالكتروني ، وهذه مشكلة عويصة يتعرض لها الكثير من المتقاعدين في المصارف والمكاتب الأهلية في بغداد ، يعود المساكين بعد مرارة الانتظار خائبين ناقمين متذمرين ، لم ينل أحدهم غير كلمة ” راجع مديرية التقاعد ” ويرد بغضب : ” تيتي تيتي مثل ما رحتي أجيتي ويضيف أنها ورطة البطاقة الذكية وغباء الساسة في تعاقدهم مع شركة  لابتزاز رواتب المتقاعدين ” والله وحده يعلم كيف تم العقد مع هذه الشركة ، التي أصبحت حلقة أضافية في دوامة الروتين عند عجز أجهزتها عرض مستحقات الراتب التقاعدي ، ليعود المتقاعد دون راتب بعد انتظار شهرين وفق نظام صرف الرواتب التقاعدية ، المعمول به في العراق ، البطاقة تخطأ والضحية المتقاعد الذي لا حول له ولا قوة ليدور في فلك المعاملات وروتينها القاتل ، وأقرب مثل قد لا يصدقه البعض ، الجار والصديق أياد محمد صادق البغدادي ستة أشهر محروم من راتبه التقاعدي ولحد الآن يدور بين المصرف ومديرية التقاعد ، معاملات ومستمسكات ، كتابنا وكتابكم وأخر المطاف قال : ستفرج بأذن الله بعد أن عجزت البطاقة الذكية غاب عنها الذكاء ،  صدر كتاب وهوية من مديرية التقاعد إلى مصرف في منطقة ألاعظمية ، وسأستلم الراتب في الموعد المقرر في بداية الشهر الرابع . ” وبعد أن حل موعد استلام الراتب راجع الأستاذ أياد المصرف تسبقه الفرحة برواتب تراكمت لمدة ستة أشهر تفاجأ بعدم صرف الراتب ، المصرف يطلب كتاب صحة صدور من مديرية التقاعد العامة ، أنها أسوأ بدعة دخيلة على الروتين الإداري أضافها الزمن الرديء، لا تدل إلا على عدم ثقة الحكومة بأجهزتها الإدارية الفاسدة ، التي تسبب آلاماً ومتاعب نفيسة يعاني منها المواطن في دولة الفوضى والفساد.