أطباء العراق سليلو البنائين الاوائل

 

قبسا من وهج نور العالم المتقدم، حمله الأساتذة الأوائل، الذين حاضروا في كلية الطب بجامعة بغداد، بعد تخرجهم في “سوربون” فرنسا، و”هارفرد” امريكا و”كمبيردج” و”اكسفورد” و”الكلية الملكية البريطانية” وجامعاتها السبع الاولى على تاريخ الكون، وسواها من كليات الطب المضنون بها على غير المؤهلين لقيادة العقول الاكاديمية في بلدانهم.

وكان الاساتذة العراقيون، نعماً ونعم النعم! فهل نحن.. ورثتهم.. بحجم حمل الشعلة التي آنسوها وجاؤوا لنا بقبس منها نازلين من جبل الأولمب الأسطوري!؟

يحق للعراقيين الفخر بكونهم أصحاب أول جامعة بالمعنى الاكاديمي، في الشرق الاوسط، تضم كلية طب متكاملة علميا، انعكست على الواقع، بمستشفيات شهدت فتوحات كبرى، يدين لها الشارع العراقي، تقديرا وتبجيلا للطبيب.. شكرا وعرفانا، يضعنا امام مسؤوليتنا، باعتبارنا رهان المجتمع، في تدعيم اركان منظومة صحية إنموذجية، لها تفاصيل كثيرة، وإشتراطات أكثر، تبدأ بالتشكيل المهني غير الحكومي.. الا وهو النقابة، فنقابة الاطباء، مرفأ مطلبي هام لرعاية شؤون المهنة، ومتابعة حاجات اعضاء الهيئة العامة، في امتدادات عملهم، مع الشعب والحكومة.

فلا تنتظم الصحة العامة، مالم تنتظم حياة الطبيب شخصيا؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه! وليس من الانسانية، مطالبة الطبيب بتخفيف ألم المرضى، وهو مكبل، لا يجد من يخفف عنه ضغطاً يشل تفكيره ويحد من تحركه الفيزيائي؛ فمهنة الطب، أشد الوظائف، حاجة للتأمل والهدوء وحسن التدبير، لأن مليمات تميت وندبات تحيي أناسا في عمل الطبيب، وهو يحتك مباشرة بنماذج متنوعة من المراجعين.. مثقفين ومتعلمين ومسؤولين، نظير جهلة فاشلين وأناس بسطاء.. نقائض من البشر، عليه ان يشاركها آلامها ويتحمل حماقاتها، كل حسب سجيته.. فبأي آلاء “… يتحمل ويشارك…” ومزاجه مأزوم بمعاناة مهنية، لا يجد لها نقابة تتبناها، ولا مجلساً مركزياً يتفهمها ويسعى الى تذليل العقبات، فارشا الطريق وردا مرشوشا بالريحان؛ كي يؤدي الطبيب عمله في جو من رفاه مسترخ، لا قلق فيه، سوى قلق إيجابي، يتطلع نحو الابداع والتفوق بتقديم الخدمات الصحية التي يلتف حولها الناس، ويتحول الطبيب الى نجمع وظائفي وسط المجتمع! هذا ما غرسه “البناؤون” الأوائل لمهنة الطب في العراق، من خلال مجيئهم بعلم أسسوا به كليات الطب ومستشفيات العراق، ونقابة مثالية، حتى ان التظاهرات الثورية المثلى، ضد الاحتلالات المتعاقبة على العراق، كانت تنطلق من كلية طب بغداد، وكل الأحزاب الاشد أيديولوجية.. معارضة للديكتاتور صدام حسين، ترعرعت وإخصوصبت بويضاته ونمت “هروشها” في كليات طب بغداد والبصرة والموصل، اللواتي أعطين عددا مهولا من شهداء في زهرة شبابهم الجامعي الموؤد.. حتى حق لنا ان نفخر بأننا “الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء”.. هل نفرط بهذا الفخر، تائهين بين تلافيف إستمارة الانتخابات المقبلة، لنقابة الاطباء، فلا نحسن الاختيار!؟ لا يزكي الانفس الا الله، فلا أتهم ولا ابرئ أحدا.. حتى نفسي، لكن أي واحد منا، يستطيع ان يضع مواصفات للنقيب وأعضاء المجلس المركزي، تتلخص بإختيار زميل يفكر باعضاء الهيئة العامة، وهو خلف الابواب في إجتماع نقابي مغلق! ويسعى لمتابعة شؤون زملائه، من دون ان يجامل مسؤولا على حساب مظلومية طبيب، ولا “يكسر” بصاحبه، إسترضاءً لكائن من يكن! فـ “العقل حط صاحبه فوق الثريا” وكلما تواضعنا للمرتبطين بنا.. مهنيا واجتماعيا؛ رفعنا الله، واضعين نصب أعيننا، أن المنصبَ تكليفٌ وليس تشريفاً.

فلنحسن الإختيار، مثبتين ثقافتنا النقابية؛ لأن “ليس بعد الحق الا الضلال.