هل صار البرلمان العراقي مثل سوق الشورجة العشوائية.. فيه الكثير من البسطيات المتنوعة تعرض وتبيع العديد من البضائع من دون ضوابط..؟ صار لكل بسطية برلمانية برج وسياج، ومحراب يصلّي فيه النواب داعين الله إلى انقاذ الوطن من سموم لزجت به بعد عام 2003 ،هي سموم محاصصة سياسية - مذهبية أدّت خلال 13 سنة إلى أن تتحول تلك السموم ، بالجهل والعناد والإرادة، إلى حليب الرضاعة لأطفال وشبان وشيوخ في برلمان و في مجلس وزراء بلادنا. غدت (المحاصصة السياسية) منذ عام 2003 صرخة وحشية عالية النبرة أحياناً، وخافتة في أحيان أخرى، ومنكرة في حالات ثالثة، لكنها في السر وتحت المناضد كانت عَلَمَاً تتمسك به الكثير من الأيادي الحزبية والمذهبية والأثنية .. اصبحت الطائفية ، من الناحية الفعلية، جسداً رئيسياً في السياسة العراقية، التكتيكية والستراتيجية..! ليس بالأمكان مجابهتها، بالمدى المنظور. صارت الطائفية مشكلة معقّدة أكبر بكثير من ( المشكلة التكنوقراطية). لا أحد في العراق يعرف طريقاً مستقيماً لحلها، لا كيف يمكن تهديم عمارة المحاصصة الطائفية ولا إنشاء مبنى التكنوقراطية الديمقراطية ، حتى اصبح كل حل مقترح اسمه (إصلاح) أو (خطة اصلاحية) أو (تعديل وزاري) هو اضطراب جديد وفوضى جديدة يشغلان بال الشعب كله. قدّم رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي مشروعين للتعديل الوزاري، لكن المشروعين عكّرا صفو البرلمان والأحزاب والكتل السياسية والحزبية والدينية وعمل مجالس المحافظات ودوائر الدولة نتج منها عقبات قانونية ودستورية سدّت كل السبل بوجه (الإصلاح).. كما زاد وزن الجهلة السياسيين والمغرضين الفاسدين والحشرات الطفيلية في العملية السياسية العراقية . كل القوى السياسية، الشاحبة وغير الشاحبة، الكبيرة والصغيرة، تتظاهر بالتصريحات الصحفية والتلفزيونية بمنتهى الرصانة والرزانة أنها ضد المحاصصة السياسية، لكنهم جميعاً يجدون أنفسهم في هياج صاخب إذا ما تمّ اسثنائهم من منصب وزاري او مقعد رئاسي أو كرسي في لجنة من اللجان. يعتبرون هذا النوع من الإستثناء ،إهانة أو إساءة أو عقوبة أو نذير شؤم بنوايا شريرة ضد ما يسمونه بمكوّن من مكوّنات الشعب، كأن الشعب (وجبة طعام) في قِدرٍ يحتوي على (مكوّنات) وهو مصطلح لا نسمع به، لا في عظائم الشعوب الأخرى ولا في صغيرها، بالرغم من أن موزائيك بلاد كبرى (مثل الهند) مثلا ، يتكون من عشرات آلاف القوميات والعقائديات والمذاهب، لكن أحدا منهم لا يرتكب خطيئة استعمال كلمة (المكوّن) بل يتفاخرون باستخدام اسم (الشعب الهندي). الغريب وليس العجيب أن النواب الافندية المجلجلين بالملابس والاربطة الأوربية وإلى جانبهم نرى دجاجات أنيقات بكل الألوان ، محجبات وغير محجبات، لكنهن مثقلات باللآليْ الإيطالية والفرنسية والبريطانية.. كلهم وكلهن يصرخن ويصرخون بالويل والثبور ضد المحاصصة ،علناً، لكنهم يدافعون عنها ،سراً وعلناً، بحدة وخشونة ، مصرين على وضع الشعب ،كله، في قفصٍ هجينٍ خالٍ حتى من الخبز والماء والجبن . المشكلة في البرلمان صارت دائمية منذ 13 عاماً، المشكلة في مجلس الوزراء صارت دائمية، المشكلة في القضاء صارت دائمية، المشكلة في الدولة ،كلها ،صارت عمومية ، نظرية وعملية. ليس هناك من حل ، كما يبدو، لكن أغلبهم يجرّب الحلول. آخر الحلول كان نموذج المتعة والطرافة والعركة تحت قبة البرلمان، حيث أكّد ويؤكّد عدد غير قليل من البرلمانيين أن في مقدورهم جعل البرلمان الواحد برلمانين، والحكومة المركزية ، حكومتين والدولة دولتين ،والعلم علمين وصرخة الشعب آلاف الصرخات.
هذه هي (البسطية السياسية الجديدة) في سوق السياسة بمنطقة الشورجة البرلمانية، حيث يستطيع المواطنون فيها، شراء البنادق من دون رخصة حكومية، وتحويل الأموال، المنهوبة والمهيوبة، بدون استمارة، بل بمكالمة تلفونية. صارت البلاد موبوءة بهذا النوع من (البسطيات) وكثير من السادة القادة يجدون انفسهم مالكين قدرة جديدة على ابتكار الحلول ..! يبتكرون أشياء غامضة وهم يفتشون عن حلول المشاكل: بعضهم يدخل في جدال عنيف مع سائق سيارته، وآخر يجادل حارس قصره، وآخر يخطط إلى أي مطعم يذهب ليتعشى، وإلى أي مول يرسل عائلته لتتسوق، وإلى أي أسلوب يوجه حمايته لخزن ذخيرة البنادق..! و.. يظل الشعب يتنهّد لأنه لا يستطيع أن يشتري شيئاً من بسطيات القادة ،الساسة، ولا يستطيع ركوب قطار جديد برضا واغتباط ليقوده الى بسطية جديدة . الكل غائص في لجّة من التفكير الغامض ،منتظرين زمناً ليس فيه بسطيات من بضائع عبث وسخافات من متع مراهقي السياسة والجاهلين بأمورها وكيفية صنع إرادتها . منذ مائة سنة كان القرويون في أرياف بلادنا لا يميزون الفرق بين النائب الكاشخ والنائب الأبله.
|