بين السياسة والمثقف |
من ينتج الاخر. السياسي ينتج المثقف أم المثقف ينتج السياسي؟ هذا سؤال يتردد كثيرا على ألسنة الطرفين، ولكن الحقيقة الواقعية والماثلة أبدأ هو ان السياسي من انتاج المثقف، فلولا الثقافة والوعي لما اكتسب السياسي وعياً سياسياً، فهو أصبح سياسياً لأنه قرأ وتعلم وتثقف مما أنتجه المثقف ولا سبيل للاجابة على هذا السؤال غير هذا. ورغم كل ذلك فان ثمة فجوة كبيرة بين الاثنين فما ان يتسلم السياسي زمام الامور حتى يستنكرللمثقف، ذلك لأن المثقف لا يرضى عن السياسي ونتاجه ضمن محيطه داخل اطار الدولة بعد أن تمكن منها، فهو لم يعد يعبأ بمن كان له زاد فكري ومعرفي واخلاقي، اذ سرعان ما يتسع الشرخ في الجدار الفاصل بين الطرفين وتتسع الفجوة بينهما حتى يصبح اللقاء عصياً فاداء السياسي صار يختلف المنطلقات الفكرية التي حصدها من نتاج المثقف، والسبب هو ان السلطة أقوى من الطرفين فالسلطة تهيمن على الاثنين ولها قوانينها وموجباتها مما قد لا يدركه المثقف، لأنه لم يباشر يوماً ما شؤون الادارة السلطوية في مؤسسة أو دائرة حيث التواء الدروب وحيث القناعات والاجراءات التي تغيب عن ذهنية المثقف. ويبقى السؤال قائماً الى ان يحين موعد الالتقاء الحضاري لمصلحة الطرفين، شريطة أن يتخلى السياسي عن أنانيته وغروره والاعتراف الكامل والكلي بفضل المثقف في صناعة وعيه ومعرفته وقبوله لدى الاخرين. ان المثقف هو الذي يصنع الرأي العام. وهذه حقيقة لا بد أن يعيها السياسي، فالرأي العام صناعة لا يجيدها السياسي بل يشكلها ويضعها ويضع قوانينها المثقف، وما على السياسي الا أن يتلقفها ويقتنع بها منطلقاً من الجذر الاساسي لانتمائه الفكري ليضيف اليها المفردات الاساسية التي تشكل وعيه السياسي عليها، ليظل الرأي العام الذي يصنعه المثقف هو الميزان العام لمتطلبات الطرفين فلا وعي بدون ثقافة ولا سياسة بدون ثقافة ولا سلطة بدون ثقافة ولا انتماء بدون ثاقفة ولا ادارة بدون ثقافة فالله الله بالمثقف ايها السياسيون، واياكم والتنكر لدوره ولا تنسوا انجازه المعرفي الذي كان سبباً رئيسياً في وجودكم وصعودكم الى سدة الحكم في كل زمان ومكان. |