النواب وكافتريا الفيس بوك

لاتوجد أي كافتريا في أي برلمانٍ في العالم مثل كافتريا مجلس النواب العراقي من يتم فيها مراجعة صفحات الفيس بوك للسادة النواب ، وأكثرهم بصفحات وهمية يمارسون فيها هواية الغزل او تحاشي الهروب من نقد المتصفحين لهم والذي يصل حد الشتم عندما تشعر الناس أن أداء المجلس أصبح سيئاً.
وبالرغم هذا يقول احد البرلمانيون :ان نصف النواب يتأففون جزعا حين تطول الجلسة ويبدا شوقهم يزداد للحظة الشاي والسيكارة والفيس بوك في كافتريا المجلس.
هذه الكافتريا هي الظل الاخر لقاعات الاجتماعات فكل ما ينبغي ان يبقلى سرا داخل حرم القاعة الأم يتسرب بسهولة في الكافتريا من خلال رسالة نصية في الموبايل أو من خلال تسريب الخبر على صفحة النائب الوهمية ، واكثرهُ شهرة ما تقوم به الفضائيات بدس صبية حلوة تتغنج امام النائب وخصوصا من تجاوز عقده الستيني ( فيكُتهنْ كِلهن.)
ذلك المكان الذي يتحول في بعض الاحيان الى مكان للاحتجاج والامتعاض والتمنع من دخول الجلسة ، كان في الدورة الاولى مطعم من الدرجة الاولى يقدمُ فيه كل ما لذ وطاب وكأن النواب هنا ليسوا الظل الاخر لجوع فقراء الشعب وممثليه ، بل هم أكلة شرهين للكاتوه والبقلاوة وانواع العصائر ، لهذا كانت الدورة الاولى ليست كافتريا الفيس بوك الذي لم يكن منتشرا ومكتشفا في العراق حينها بل كانت كافتريا الثريد والغزل الخفي والمحابب وتبادل الحديث عن نوعية حجر محبس النائب إن كان يمانيا او كهرب أو لازورد أو عقيق ، ومن كان خاتمه عقيق يحاول دوما ان يرفعه امام كاميرا التلفزيون ليريَّ المشاهدين الورع والفقه والتقية .
اليوم مع التقشف وانهيار براميل النفط فوق رأس الموازنة العراقية ، شح الكاتوه والتشريب وحتى العقيق قل وجوده في الاصابع ولكن العولمة أتت بلهو آخر غير الزمرد والكابشسنو عندما وفرت من خلال شبكات الاتصال  زين وكورك واثير الذين نهبوا جيوب العراقيين بسعر المكالمة وفرت لهم خطوط الانترنيت وتصفح الفايس بوك ، فكانت نشوة حالمة لدى الكثير من الذين تنطبق عليهم تلك الاهزوجة العمايرجية الجميلة القائلة : توهن طربن شيباتي.
كافتريا مجلس النواب جمهورية مستقلة بطقوسها يمارس فيه كل انواع الاتصالات والنفاق السياسي وهي ايضا منبر لخطاب الرافضين لما يحدث داخل القاعة ، وهو ايضا المكان الاثير لدى من تدفعهم جهة ما رئاسية او كتلوية ليستمعوا بالتنصت الى مايقال ويخطط ، فأذا كان هناك المثل الشائع الذي يقول : دُبرَ في ليل ، وهنا في حديقة الفيس بوك البرلمانية يقولون : دُبرَ في الكافتريا.
كافتريا الفيس البوك التي هي عبارة عن دولة مصغرة تقع في ماكن ما من المنطقة الخضراء ، ربما سلطتها وحركتها وأتفاقياتها اكثر من دوبلماسية اليوم الفاتيكاني الذي يقع جمهورية الفاتيكان في اطراف روما.
ولان الفاتيكان ليست جمهورية داخل جمهورية ، لكن الكافتريا التي سكانها من كل الشعوب والاديان والمذاهب والطوائف والاقليات والصحفيين والصحفيات والنادليين والنادلات هي جمهورية داخل جمهورية تتم فيها الهسهسة والصفقات وعبارة : أگلكَ ولا تگول.
لكن الغريب أنَ كافتريا الفيس بوك تلك هي المكان الوحيد في العالم الذي لايبقى فيه السر دقيقة واحدة حتى يخرج للعلن.
وبالرغم من هذا الكافتريا اليوم تعتصم وتلبس اثواب روبسبير وجيفارا وسعيد بن جبير ، وتلك الصورة هي من بعض متغيرات الغليان الداخلي الذي ينتقل من القاعة الى خارجها ، ليتخذها النواب المعتصمون ساحة تحرير بديلة عن تلك التي نصب فيها الرائع جواد سليم ملحمته الشعبية والثورية.
دور جديد مشرف لهذه الكافتريا ، وحتما الفيس بوك يصبح أحد وسائل هذا الدور لرجم المحاصصة والبريقراطية والبطون التي تستجدي اصوات الشعب من اجل المزيد من الكاتوه والكابشينو.