إستئثار الكتل والاحزاب بالسلطة والبرلمان والهيئات ( المستقلة ) والرأي والمشورة ، وهي ( أهل الحل والعقد ) ، وصانعة ( الازمات ) أيضا ، يحرم الشعب من آراء واستشارات وحلول ومعالجات صائبة لنخب وكفاءات ومفكرين وباحثين ومثقفين لم تتح لهم المحاصصة الفرصة المناسبة ، ليس في تحمل المسؤولية ، أوإدارة مرافق ومؤسسات مهمة ضمن تخصصاتهم فقط ، وإنما في ( الرأي المؤسسي ) أيضا إذا جاز التعبير ... فهؤلاء ( زاهدون ) في متاع الدنيا ، ويكتفون بالقليل منه ، ولم ينافسوا أحدا على الكرسي والمكاسب والمغانم والمال ، بل جل هدفهم أن يجدوا أفكارهم ونظرياتهم وابحاثهم قد أينعث ثمارها على الارض ، او ساهمت في اجتياز عائق ، أو حل أزمة .. وإنعكس هذا الاستئثار أيضا على عمل منظمات المجتمع المدني في أن تأخذ دورها المؤثر في عالم اليوم .. فهي في نظر العالم المتطور لم تعد مقرات شكلية ، وجمعيات خيرية ، او واجهات فئوية للدفاع عن اعضائها ، أو تحقيق المكاسب لهم ، بل لها مساهمات فاعلة في صنع القرار، بالرأي والرقابة ، وفي عملية البناء والتطور، من خلال مشروعات في الخدمات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .. وفي العالم لم تكن مناصب ( المستشارين ) رمزية ، وتخالف مضمون العنوان الوظيفي لها ، أو لا تناسب صفتها ، أو تكون لارضاء من يشغلها ، او أبعاده عن الواجهة ، أو ايجاد سبيل مادي ، أي ( سبوبة ) ورزق لاشخاص من حزب ذلك المسؤول ، او غيره دون عمل مناسب لهم .. أنه تقليد جميل ، وحالة ايجابية أن تتلاقح الافكار بين صاحب القرار وهذه
الشريحة من المفكرين والمثقفين والمجتمع المدني لتنتج فكرة غير تقليدية ، او قرارا تجتاز به البلاد أزمة ، او تمنعها من الاساس ، او تخلق حالة جديدة غير مسبوقة في التطور ... و في بلادنا تزداد الحاجة له اذ قد تجد هناك من المسؤولين من ليس لهم تماس مباشر بالشارع ، ويقتصر تواصله مع الجماهير من خلال الفضائيات والتصريحات ... فهذه الحالة لا تعطي للمسؤول ، وصاحب القرار تصورا دقيقا عن معاناة الناس وحاجاتهم .. ومنهم من يغادر المنصب ، ولم يعرف مواقع مؤسساته ، لأنه لم يزرها ميدانيا ، وسارت حياته الوظيفية على روتين ممل ، وانحصرت حركته بين المكتب ، وشاشة التلفزيون .. وفي الكثير من الدول أصبح ليس تقليدا ، وانما عمل منظم ودوري وشبه مؤسسي أن يلتقي صاحب القرار فيها مع المثقفين والمفكرين والكتاب ومنظمات المجتمع المدني ، ومن مختلف التيارات والاتجاهات ، بما في ذلك من يختلفون معه في الرأي لاستطلاع آرائهم في ما يحصل في البلاد من تطورات وأزمات ، وطرح حلول ومقترحات ، وربما تتمخض عنها قرارات مهمة في ضوء ما تتوضح من حقائق كانت غائبة عن صانع القرار .. فأين بلادنا من هذه التجربة... وهي وان حصلت لكنها في مناسبات متباعدة ، أو تقتصر على وجوه معينة ، بعضها معروفة في توجهاتها السياسية ، فتعطي تصورا عند المواطن - وربما يكون غير صحيح – وهو أن ما يطرحه هذا البعض يكون محسوما سلفا ، لصالح المسؤول وتوجهه السياسي ، أو فيه قدر من المجاملة أو ليس فيه جديد غير معروف .. ولذلك لا تثمر عن شيء إيجابي يخلص البلاد من دوامة الازمات .. اليس الاختلاف في الاراء والاذواق والافكار رحمة للامة ، ونعمة من نعم الله على البشر ...؟. نعم ..ولكن بشرط ان تحترمها ، وتقدر قيمتها
ودورها في التطور ....