توقع وزير النفط الفنزويلي إيلوخيو ديل بينو أمس ( الأربعاء ) ، انهيار أسعار النفط في غضون الأسابيع المقبلة لتصل إلى مستوى 25 أو 30 دولارا للبرميل ، وقال في مؤتمر صحفي على هامش فعاليات منتدى النفط والغاز الوطني الثالث في روسيا تابعته وكالة ( المعلومة ) ، أعتقد أن الأسعار ستنهار مرة أخرى في غضون عدة أسابيع قادمة ربما إلى مستوى 25 أو 30 دولارا للبرميل ، وأضاف تعليقا على تأكيدات بعض الخبراء بأن عدم التوصل إلى اتفاق في الدوحة لم يغير أداء السوق إن “هذا خطأ تماما لأننا سنشهد تغيرا في المسار خلال الأسابيع المقبلة ” ، وبشأن اجتماع منظمة أوبك المزمع عقده في فيينا خلال حزيران المقبل ، أكد الوزير الفنزويلي أنه سيكون مختلفا تماما عما كان خلال اجتماع الدول المنتجة للنفط في الدوحة ، وأشار إلى أنه منذ تقديم الاقتراح بشأن تجميد حجم الإنتاج في شباط تمكنت الدول النفطية من إنعاش الأسعار وتحقيق زيادة بأكثر من 15 أو 16 دولارا للبرميل، مشددا على أهمية اتخاذ قرارات من شأنها دعم أسعار النفط المتدهورة .
وفي حالة حدوث هذه التوقعات ، فان العراق سيكون من أكثر الدول المنتجة تضررا نظرا لاضطراره ببيع النفط بأسعار تشجيعية وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتباطه بجولات التراخيص ، وستكون الزيادة بمعدلات الإنتاج والتصدير غير مجدية اقتصادية حتى وان وصلت إلى 4 ملايين برميل يوميا ، فالموازنة الاتحادية أمامها العديد من التزامات الإنفاق الحاكمة والملحة والتي لا يمكن تأجيلها ، وفي مقدمتها رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية والنفقات العسكرية لإدامة المعارك في مواجهة الإرهاب ودعم النازحين وإعمار المدن المحررة وتقديم الخدمات لعموم السكان ، وهي نفقات ستؤدي إلى زيادة حجم العجز في موازنة 2016 إلى أكثر بكثير من الأرقام المخططة وبشكل يجعل العجز أكثر من الإيرادات الفعلية ، في وقت يصعب فيه اتخاذ قرارات لتقليل الإنفاق من خلال تخفيض الرواتب لان الوضع السياسي من الهشاشة بحيث تكون من المخاطرة الإقدام على هكذا إجراءات ، كما سيكون من الخطأ زيادة الرسوم والضرائب لأنها تؤثر على الفقراء ومحدودي الدخل كونها تضعف القدرات الشرائية ، ومن جانب آخر فان نقص إيرادات النفط سيؤدي إلى انخفاض مبيعات الدولار فيما يسمى مزاد البنك المركزي إذ ستنخفض أسعار صرف الدينار العراقي أمام الدولار ، وربما سيلجأ البنك باتخاذ قرار متأخر جدا بإلغاء البيع من المزاد الذي استنزف مئات المليارات من الدولار وتعويم العملة مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات كافة لان اغلب السلع يتم استيرادها من الخارج بالعملات الأجنبية .
وبضوء السياسات المتبعة حاليا فان خيارات مواجهة العجز المالي ستنحصر في ثلاث خيارات وهي السحب من الاحتياطيات وزيادة الاقتراض الأجنبي واستثمار المحافل الدولية للحصول على المنح والمساعدات ، ورغم إن السحب من الاحتياطيات الوطنية تنطوي على العديد من المخاطر فهي تصطدم بعقبات صندوق النقد الدولي الذي لديه اتفاقيات مع العراق بخصوص الإشراف وتقديم النصيحة بخصوص الاقتصاد الوطني ، كما إن الحصول على القروض ليس أمرا هينا لدولة معسرة ماليا لأنه يقترن بشروط وضمانات صعبة فنسبة المخاطرة في خدمة القرض وتسديده ستجعل معدل الفائدة تصل إلى نسب عالية تبلغ أكثر من 10% بكثير كما إنها غالبا ما تقترن بضمانات سيادية للحيلولة دون إخضاع الديون إلى نادي باريس للتسويات ، والحصول على المنح والإعانات والمساعدات ممكن ولكن قوة مردود هذا الخيار يقترن بثلاثة عوامل أولها مدى دعم الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لهذا التوجه لممارسة الضغط على الدول المانحة ، وثانيها مدى متانة النظام السياسي في الداخل لغرض توجيه الأموال لأهدافها ، وثالثها إن ما يتم منحه سيكون لأغراض محددة وتخضع إلى الرقابة في الإنفاق لتحقيق الغرض من جهة ونزاهة الصرف بدون فساد وغالبا ما تكون أوجه الإنفاق هي للنازحين وإعادة الاعمار والخدمات أي إنها سوف لا توضع في الموازنة الاتحادية .
والاهم من كل ما تقدم هو كيف نستطيع التحوط للقادم من الأيام عندما تكون أسعار النفط هي الأقل في الأسواق العالمية منذ بداية الأزمة عام 2014 بضوء توقعات الوزير الفنزويلي ؟ ، ورغم إن الإجابة عن هذا السؤال صعبة بالفعل إلا انه يمكن ولوج بعض الحلول ، أولها التسريع باختيار حكومة لها نيات وقدرات على تحقيق الكفاءة الاقتصادية والفاعلية في تحقيق الأهداف وهو موضوع سياسي لا نستطيع التدخل بتفاصيله ، والثاني هو الاعتماد على خبرات دولية في مجال معالجة الازمات بظروف مشابهة لظروف العراق يعملون إلى جانب الخبرات العراقية الحقيقية وليست المزيفة ، والثالث التطبيق الفعلي للخطط المعنية بدعم القطاع الخاص تحت رقابة تضمن تحقيق النتائج المرجوة وتشجيع قطاع الزراعة لتامين جزء من الأمن الغذائي ، والرابع هو منح الحوافز لبيع الديون الحكومية بأنواعها بذمة الآخرين وإيجاد سياسات مبسطة للتسديد ، والخامس تشريع قانون لحماية الودائع في المصارف والمؤسسات المالية وتشجيع الادخار في المصارف المحلية بفوائد مجزية ، والسادس قيام الحكومة بالتخلي عن توجهاتها في الاستحواذ على الأراضي والموجودات والممتلكات من خلال بيعها أو عرضها للاستثمار الحقيقي وتخصيصها للأغراض والمشاريع الزراعية والصناعية العملاقة بعد دراسة جدواها الاقتصادية ، والسابع هو إيجاد قواعد جديدة في وضع الموازنات لا على أساس الأبواب والاعتماد على الشركات الدولية في تدقيق الحسابات الختامية واسترداد الأموال المسروقة بمنحها نسبة من الإيرادات ، والثامن إدخال أنظمة جديدة في تشجيع الخروج المبكر من الوظيفة وإيجاد فرص عمل للقوى العاملة خارج العراق بموجب اتفاقيات لتقليل الهجرة والبطالة ، والتاسع إيجاد وسائل فاعلة لزيادة المردودات من السياحة الدينية والمجال الجوي والاتصالات واستخدام الثروات بأنواعها ، وعاشرها إلزام الجامعات ومكاتبها الاستشارية لتكون شريكا وطنيا في المبادرة والإبداع وتطبيق شعار الجامعة المنتجة للأفكار والإيرادات .