الصحافة الإستقصائية تصحيح للمسار السياسي.. الإعلام مسؤولية وسلوك وميثاق شرف لبناء المجتمع

 

إن الإعلام جامعةٌ مفتوحة تثقف الجمهور وتوعيه، لكنها تتحمل مسؤولية التوجهات العامة في الدولة؛ لذا فهي الأساس الذي يتأسس عليه وعي المجتمع واتجاهات الإصلاح في البلاد، قبولًا أو رفضًا لما يجري .

    (الرؤية المستقبلية) اختيرتْ عنوانًا لمؤتمر كلية الإعلام في الجامعة العراقية لنفسه وهو اختيارٌ موفق ولان ليس لمشروعٍ ما أن ينجح من دون رؤية وهدفٍ واضحينِ ضمن تخطيط سليم؛ لذا لايزال البلد يعيش حالةَ تخبط أعاق عمليةَ التقدم و الاصلاح والتغيير بل دمرها؛ فهي مستغرقة في سجالات  تحاول أن تشنج الأجواء وتخلق العقبات والمشاكل. إذن فمسؤولية الإعلام حاضرًا ومستقبلًا هي :

بناء صحافة استقصائية لتصحيح المسار السياسي والاجتماعي والاخلاقي وبإمكان الإعلام أن يسهم في بناء اقتصاد وطني لا يعتمد على الموارد الطبيعية التي وهبها الله لهذا البلد، إنما يجب الاعتماد على الجهد الوطني في بناء اقتصاد ناهض قادر على مقاومة المشكلات الاقتصادية المستجدة في عالمنا من كساد وغيره. وثمة مسؤولية أخرى تقع على عاتق الإعلام تتعلق بمن المسؤول؟ وأين يتجه مؤشر تحمل المسؤولية؟ تحت إطارحرية القيم هنالك أخلاقيات وقيم يجب أن يتحلى بها الإعلام، هنالك مسؤولية وطنية تجاه شعبنا ووطننا تنصلنا عنها جميعُنا في إعلامنا الخاص؛ فقد انه صار طائفيًا بامتياز، وكتلويًا بامتياز، ومنحازًا إلى هذا المكون الاجتماعي أو ذاك ثم يدعي التهميش والنسيان، والحقيقة أن المنسي الوحيد فيالبلد هو المواطن وهذا النسيان هو المشترك العام في الوطنية العراقية، إن الانتماء إلى القومية أو الطائفة أو الدين لا يمكن أن يصنع حياةً أو يبني وطنًا فـ (كلكم من آدم وآدم من تراب)، (ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) هذه القيم التي زرعها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لبناء مجتمع قادر على بناء نفسه، مذ دخل المدينة المنورة بدأ بوضع أسس التعايش وإشاعة المحبة والأخوة بين المهاجرين والأنصار، لايمكن تصنيف المواطنين إلى طبقات، تنخرها وتترسخ فيها العقد الاجتماعية، فمن يعمل على خلق الفجوات بين الناس يعمل على إفساد نفسه ومجتمعه وبالتالي سيترقب عاجلاً أم آجلاً النتائج والتداعيات التي تأتي على هذا الفكر الطبقي بين الشرائح الاجتماعية وتقتلعه من جذوره لأنه فكر باطل هش مريض.

 إن الإعلام مسؤول عن عملية الإصلاح فهو كتاب مفتوح يسمعه الكل ويجمع الشرائح .. والإعلامي مسؤول تربوي أخلاقي قيمي وهو كذلك مسؤول مسؤولية وطنية، وهذا واجب كليات الإعلام؛ إذ لابد من تشكيل لجنة مسؤولة تضع قواعد السلوك الإعلامي , فالإعلام من دون سلوك وميثاق شرف يعد وسيلة من وسائل الهدم وإثارة المشكلات الاجتماعية؛ لذلك نرى السياسي في أحيان كثيرة يتبع صوت الإعلامي وهو لا رأي له ولا صوت إنما يستمع إلى ما يقرأُ الاعلامي  فالجميع يتحمل المسؤولية في صناعة إعلام مسؤول يسهم في حل مشكلات العراق وأزماته؛ لا سيما أن الجميع يريد أن يرفع شعلة الإصلاح والتغيير، ولا أرى أن غير المؤسسة الأكاديمية والمعنية بالمعرفة يمكن أن يقوم بهذا، حتى السياسي يتأثر بحد كبير فيما يبث من المؤسسة التي تعد حاضنة أساسية.  إننا نعيش مشكلة لابد من تعميمها ومن دون التعميم ووضع الأصابع والمؤشرات على مواقع الخلل لا يمكن أن نضع قائمة العلاج، فالعلاج يسبقه التحليل ونحن نحتاج في العلوم السياسية إلى تحليل؛ لماذا نشتكي كلنا من الفساد ؟ ولماذا يثبت الجميع في الدفاع عن العملية السياسية؟ وهم يحمونها بنفس الوقت ويدافعون عنها، من هو المسؤول إذن؟ وهل هناك قواعد معينة لتشخيص قواعد الفساد، وتحديد مصداقية دعوى بعضهم أن ما يفعلونه إصلاح وما يفعله الآخرون إفساد؟ وبالتالي تعوم المصطلحات والمفاهيم، نحن نحتاج إلى عملية تعريفية واضحة وكذلك قانونًا للعقوبات على كل فاسد ومفسد إذا تشخصت الحالة بهذه الدقة والشكل من الأشكال يمكن أن نكون إطارًا معينًا لعملية الإصلاح. إن الصحافة الاستقصائية التي تحدث عنها رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر هي الجديد الذي آمل احتضانه والتي تعد بمثابة الادعاء العام، تستقصي المعلومات من الشرائح المجتمعية وهذه المهمة لابد أن تكون بإشراف أساتذة يتولون هذا المشروع، وهو عمل تشجيعي وعلم في الوقت نفسه؛ إذ لابد من أن تتحدد النقاط لإيجاد الحلول  للمشاكل الأساسية كالإرهاب والطائفية وعناوين أخرى، فهناك عناوين كثيرة منها الخطف والبطالة والاسترخاء في الدوائر الرسمية. ماذا نعمل حتى نصنع مجتمعا مسؤولا عن نفسه يعتمد اعتمادا كليا على فكره في حل حل أزماته كون المجتمع أصبح يعتمد اعتمادا كليا على الأجنبي حتى في التفكير السياسي والاجتماعي، ولاسيما أن المجتمع له ملامحه وتأريخه الخاص ولا يمكن أن يعاني من المشاكل بعيدًا عن تاريخه؛ فالكثير من الصراعات القائمة هي إعادة انتاج لحوادث التاريخ واجترار الماضي بكل تفاصيله.

هل نحن متمسكون بحوادث قديمة ؟ وهل يستطيع الإنسان أن يقوم بالتخطيط للبلد الجديد؟ إن العملية السياسية تتحقق بالمبدأ الدستوري، فالفساد صار يسري في الصغير والكبير وحتى البعيدين عن الدراية القومية، وهل الفساد مشروع ؟ إن ثمة من يعده مشروعًا حتى في بعض الأطر الدينية وهذا خطأ! يجب تحديد الفساد وإنْ لم يحدد سيظن الفاسد نفسَه مصلحًا،  وإنْ أراد التغيير فيذهب إلى فساد من نوع آخر أو فساد من مكون آخر والفساد شعار يقترن بالشعور بالوطنية والأخلاق والفطرة الموجودة عند الإنسان سواء كان الفساد إداريًا أو ذاتيا ماليًا أو ما شابه، فلابد للصحافة الاستقصائية أن تتوجه إلى إيجاد قائمة ولابد أيضًا من أن يتوجه طلبتنا بالبحث ثم بعد ذلك نبدأ بالترويج للعلاجات بعد أن تقيمها لجنة أكاديمية متخصصة مثقفة  لا تنتمي الى جهة من الجهات وإنما تقول الحق ولا تأخذها في الله لومةُ لائم.إن موضوع وسائل الاتصال الحديثة التي وسعت نطاقًا واسعًا من الشعب ومن كل مستويات.  الانترنت هو لمصلحتنا أم لمصلحة المجتمع؟ إذ إن فيه من السلبيات والإيجابيات، ومن يستطيع أن ينقذ التقنيات الحديثة من السلبيات التي تؤثر بشكل واضح على البنية الأساسية لصناعة الإنسان ليس في البلد فحسب بل في العالم؟ ومن الناحية السياسية فالانترنت يسهم بالدعوة العربية فهو واسع النطاق ففي منطقة معينة من العالم وليس بالعالم كافة حرك الجهد البشري لهذه المنطقة وتلك المنطقة ولكن وبعد أعوام قليلة جدًا نسأل: أين النتائج؟ من الذي حركه ومن الذي أخمده ومن الذي حصد نتائجه ؟ أما على المستوى الأخلاقي عندما تذهب إلى أي دولة من الدول تجد لهم أعرافًا وتقاليد يعتزون بها وتنتقل من جيل إلى آخر وتعد سببا في تطورهم الصناعي والزراعي، وفي هذا البلد هناك قيم وأسس لابد أن تبنى عليها قواعد في الأخلاق؛ لذا نطالب الملاكات التدريسية بأن تؤصل العملية التربوية والعلم يقود ولا يقاد ولاسيما أن العلم وحده محايد بلا اتجاه يتجه به لمن ينفع، فضلا عن أن الوسائل العلمية القديمة وسائل ناجعة والعقل البشري استطاع أن يصل إلى مستوى الإنجاز ولكن حينما تستخدم باتجاه تعاسة المجتمع تُرفض ومن ثم لا يمكن العبث باخلاقيات هذا المجتمع , يعني أن ذلك أصبح معضلة لابد من إيجاد حل لها ولا يمكن الربط بين الحرية واسعة الحدود وبين مسألة الأطر الوطنية لبلد ما، ولاسيما أن الكثير من البلدان حاولت أن تحدد الاستفادة من التقنيات الحديثة ولكننا في كثير من الأحيان والظروف نكون أفكارًا مختلفة، وبالتالي لا يمكن أن نتحكم أو نقود تربية الجيل الحالي والمستقبلي، وإذا كانت وسيلة الإعلام تحوي تقييد الإعلام  بميثاق شرف وبوثيقة مسؤولة؛ فهذا سينعكس على التربية والتعليم وييسر المهمة على الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات؛ لذا لابد للأساتذة المعنيين من ترميم شخصية المواطن لأجل إعادة صياغة الإنسان بلمسات وطنية أخلاقية.إن الحكومات المدنية تحرص على توحيد القوانين لكل طبقات مجتمعاتها وقومياتها؛ إذ لا يمكن ان تخصص قوانين معينة لطبقة من دون طبقة أخرى. إن مجتمعنا يعيش حالة من التخلف الثقافي والسلوكي بحاجة ماسة إلى معرفة كيفية العلاج ومن ثم يكون الإعلام العامل الأهم، ولاسيما أن الإعلام ليس له تأثير قبل 40  عامًا لكنه أصبح أكثر تأثيرًا في الوقت الحالي؛ فهو يؤثر أكثر من الأستاذ الجامعي والمدارس والأسر، إنه مسؤولية كبيرة وضخمة، وخطوة كلية الاعلام خطوة صعبة ومسؤولة بتأدية غرضها بشكل مباشر؛ فمهمة إنقاذ المجتمع من التخلف ومن الصراعات الداخلية تقع على عاتق الإعلام المسؤول الذي يشخص تشخيصًا دقيقًا ويعالج معالجات ناجعة.