الإنهيار المزعوم للعملية السياسية

 

أصبحت بغداد خلية نحل وجرى فيها سباق ماراثوني لكل السفراء الأجانب والمبعوث الأمريكي (وزير الدفاع) اشتون كارتر،والكل عبّر عن قلقه وخوفه من انهيار العملية السياسية والحقيقة هذا يذكرني بالأمس القريب حين أعلنت فتوى الجهاد الكفائي حيث لم يهدأ للقوى العظمى بال حتى أعادت القطيع إلى المرعى ،فهم لم يتوقعوا مثل هذه الإفرازات للشعب العراقي وخصوصا بعد فترة ترويض دامت أكثر من ثلاثة عقود ،فهذه التجليات العراقية بعيدة عن متناول الأفكار الغربية فهم اثبتوا وخلال أكثر من عقد جهلهم بسيكولوجية الفرد العراقي .

لنعد للعملية السياسية والحرص عليها من قبل هذه القوى العالمية وتساندها الأدوات الداخلية وهل تستحق هذه العملية كل هذا الحرص ولماذا لا يكون الحرص على الشعب بدلا من العملية التي أثبتت السنوات فشلها وتدميرها للشعب العراقي ، لماذا كل هذا الحرص عليها من قبل هذه القوى ولماذا لا يراد لهذا القطيع أن يتمرد على هذه العملية التي استهلكت كل ثروات العراق وبناه التحتية وموارده البشرية .

منذ بداية الاحتلال وتحت هيمنة سلطة الاحتلال على القرار السياسي العراقي تم رسم هذه العملية وفق قواعد المحاصصة الطائفية والحزبية ورفض الحاكم الأمريكي كل الدعوات لتجاوز قانون المحاصصة واعتبرها خروجاً على الشرعية, فالشيعة والأكراد والسنة تم تحديد حصصهم وفق نسب معينة تمثل كل مكون دون الاستناد إلى أية إحصائيات بل هي مجرد تخمينات وتم ترسيخ فكرة الانفصال والتقسيم وفق هذه النسب وتكريس حالة الشعور بالمظلومية والتهميش لدى المواطن العراقي ،ظنّاً منهم بأنهم أوغلوا في هذا المسلك وقطعوا طريق العودة على هذا المواطن دون الرجوع إلى الخلفيات الاجتماعية والعشائرية لهذا المواطن فالعشائر العراقية الموجودة في الشمال هي نفسها في الجنوب والوسط والغرب تجمعهم أواصر النسب و المصاهرة والعشيرة الواحدة .

أن هذا الجهل وعدم التأني في دراسة المجتمع العراقي افرز حالة من الغليان الشعبي والتي ترفض هذه الأكذوبة التي يراد إقناع الشعب العراقي بها عنوة فمن الطبيعي أن تجد لك في كل محافظة نسيبا أو قريبا أو صهرا وحيثما ذهبت تجد أصدقاءك موجودين في كل مكان في هذا الوطن بغض النظر عن القومية أو الطائفة التي تسكن هذه المنطقة أو تلك.وجوهر العملية السياسية إنما جاءت لخدمة هذا المواطن وتنمية القدرات البشرية وتعظيم الموارد الاقتصادية والحفاظ على البلد من التشرذم والفقر والجهل والمرض ،فالسياسي هو كالطبيب والمهندس أو أية مهنة أخرى يمكن من خلالها خدمة المجتمع ،بل هو من يمتلك مفاتيح كل شيء في البلد ومن خلاله ترسم الستراتيجيات والخطط البعيدة المدى وتطور الصناعة والزراعة وتحمى الحدود ويضبط الأمن في الداخل والوصول إلى حالة الرفاهية التي يريدها المجتمع المتحضر، وعندما نريد تطبيق هذه المعايير على العملية السياسية في العراق فهل سنجد لهذه المعايير أي ذكر في قاموس السياسة العراقية الحالية وهل سنجد ذلك السياسي الذي يحاول أن يرسم خط بياني بين ما كان عليه المجتمع قبل توليه مقاليد السلطة وما هو عليه الآن ،هل وجدنا من الساسة من أعترف بخطئه وتراجع عن موقف معين ،هل وجدنا من قدّم استقالته نتيجة فشل سياسته في تحقيق برنامجه الانتخابي ،هل وجدنا على مدى 13 عاما من خرج علينا ليعتذر لنا عما قدمت يداه من جرائم بحقنا ،تصوروا حتى (طوني بلير) قدّم اعتذاره لنا عما فعله وانتظرنا من ساستنا أن يتخذوا خطوات باتجاه مقاضاته والمطالبة بتعويضات للعراقيين لما لحق بهم من ضرر نتيجة احتلال بريطانيا للعراق ولكنهم لم يحركوا ساكنا وأغلب الظن أنهم لم يسمعوا بهذا الخبر. فضلا عن اعتذارهم هم ولكنهم لم يفعلوا أي شيء، ثم يأتي من يتحدث عن حرصه على هذه العملية البكماء العوراء العرجاء ويطالبنا بالحفاظ عليها وعلى رموزها من الانهيار ويخشى أن يغرق العراق ببحر من الدم .وسؤالنا هو :هل العراق اليوم غارق ببحر من العسل أم بحر من الدماء ،وخير دليل هو جيش اليتامى والمعاقين والأرامل والمعدمين فأينما تتوجه في هذا البد المعطاء تجد آثار العملية السياسية واضحة ففي تقاطعات الطرق تجد جيوشاً من المستجدين والقمامة تملأ الشوارع والمتسكعين على الأرصفة والمقاهي يملؤها العاطلون عن العمل واللافتات السود التي تنعى بقية شباب ٍ لم يرحلوا مع القادسيات المجيدة .وإناث غادرها الشبق لما مرَّ عليها من ذل البيع في سوق النخاسة ….أجل أيها السادة لقد أنتجت لنا العملية السياسية أسواقاً للنخاسة ،وأنتجت لنا مرض الكوليرا الذي صار جزءاً من الماضي في كل بقاع الأرض . أطالبكم بالحرص على هذه العملية السياسية من الانهيار ففي انهيارها تحرير للشعب العراقي وهذا كل ما تخشاه دوائركم الخارجية التي عينتكم كممثلين لديها عن الشعب العراقي.