المعلّمون بين مصفوفة الموظفين وقسوة العيش

 

واقع الموظفين  في سوريا فاق في ألمه ظروف الجوع و الحرب و أصبحت  تجد في كلّ حين فيضا من العبارات الاحتجاجية تملؤها  الحسرة  على وضع مرير يصف المطالب المتكررة برفع الدخل و الأجور لتتناسب مع الغلاء المعيشي. لكن ملامح أخرى للمشهد نجدها في شريحة المعلّمين نرى فيها المعلم متعبا يسكب شقاءه في قدح مزعج يختص في التقليل من شأن المهنة والمنتمين إليها، مثل أن يرأس مثلاً وزارة التربية والتعليم واحدٌ من غير أبنائها و تعيين أشخاص لا يليقون بمناصبهم و مراكزهم و لا ينتمون بحسّهم إلى سيئٍ من المسؤولية المهنية والأخلاقية و التربوية مما يعمّق الغصة أكثر حتى مما يؤكد الغياب التام للمعلم عبر طفرة النفعيّة التي لا تنتهي. وإن كان التعليم في سوريا  يجابه مشكلات عديدة تعوق فاعليته وتطويره على نحو جاد، ربما في الأغلب لعلل مادية، فإن ممانعة المعلم ولامبالاته المقصودة كرد فعل، انتقامي تارة واضطراري تارة أخرى، يعدان المشكلة الأكبر. مشكلة لا يُجدي معها الاحتفال بيوم المعلم و لا تقديم العبارات المنمّقة و شعارات الولاء والإجلال …  مشكلة تحتاج لبناء سريع في حيكلة حلّها من حيث بناء الخبرات للشريحة الجديدة من المعلمين فيمكن القول أن الخبرة الفعلية لأحدث المعلمين بمدارس سوريا حاليا  ربما لا تقل عن أربعة عشر عاماً، بينما تتجاوز الثلاثين عاماً عند أقدم المعلمين الذين لا يزالون على رأس العمل، من دون إغفال أحدث الوافدين الممثَلين بالمعلمين المتعاقدين ـ وهم المعلمون الهامشيون سواء من حيث العدد أو الأجور و الاهتمام  فنجد القسم الأكبر منهم انتظمت حياتهم (خاصة الرجال منهم) بالأعمال الحرّة خارج الدوام الفعلي ، (فقد يكون معلماً في الصباح وسائقاً أو بائعاً مساءً) . و القسم الآخر نجده انضم بالفعل لسد احتياجاته ليبرع في الدروس الخصوصية ضمن ميلشيات و عصابات تقوم على الابتزاز المالي المبالغ به لطلبة تحاصرهم عيوب الحياة المتجلّية بتراجع انتماء المعلم لمدرسته  وضعف اهتمامه وقدرته على تطوير نفسه، وأيضا  الكتب المدرسية المعيبة من حيث الإعداد وغير المتجانسة، وبالإضافة إلى التطور الهائل والمستمر في مجالات العلوم المختلفة، امتدت الإصابة لتطال المستوى الأكاديمي والمعرفي لبعض المعلمين. يعزز ذلك، من ناحية أخرى و  عدم وجود دورات تدريبية ولا حتى نوايا لمشاريع تتبناها الدولة لرفع كفاءة المعلم وتنمية مهاراته في التعلم الذاتي (خاصة على المستوى التخصصي) .  لذلك لا بدّ من  رصد تأخر كارثي في المستوى العلمي والمعرفي قد يزيد الحالة سوءا و رداءةً. قد تكون الجهود المبذولة والمتضافرة لحل المشكلة  مضطربة بعض الشيئ لكنها بارقة أمل في الحياة التعليمية المتكلسة , أمل يظل مشوباً بالتخوف المشروع: هل ينجح السّاعون الحقيقيون الصادقون  في إضافة خطى على طريق استعادة مكانة المعلم والتعليم ؟ أم ستبتلعهم المنظومة العتيقة في دهاليزها السحيقة؟