أمة تفرّط بمفكّريها

 

 هل نحن امة تفرط بمفكريها؟ سؤال تصعب الإجابة عليه بهذه العجالة ولكن ربما يبدو الجواب اسهل اذا كان السؤال : هل ان النظام السابق فرط بمفكري الأمة؟ والجواب بحسب قناعتي الشخصية : نعم، ان النظام السابق فرط بمفكري الأمة. وليعارض من يعارض وليبدي من لايعجبه هذا الرأي رفضه، فالأمر سيان عندي، إذ ان الشواهد كثيرة. المؤلم ان النظام السابق ذهب بعيداً في معاداته للمفكرين والمبدعين الى درجة التغييب التام وعدم ترك أي اثر للضحية. وهو أمر يدمي القلب فهل يعقل ان لاتجد أسرة المفكر عزيز السيد جاسم اثراً له الى الآن برغم مضي 13  سنة على سقوط الحكم السابق؟ وهل يعقل ان هذه الاسرة الكريمة لم تترك باباً الا وطرقته لمعرفة مصير رب الأسرة؟. ان من حق اية اسرة ان تعرف مصير عمود البيت مهما كان هذا الأب انساناً  بسيطاً، فهو أب ونفس بشرية كرمها الله سبحانه وتعالى، فكيف اذا كان هذا الأب قامة فارعة في الفكر والأدب وحتى الانسانية مثل عزيز السيد جاسم؟ . لقد قرأت للشهيد السيد جاسم في باكورة حياتي وشدني اسلوبه الرفيع في الكتابة فحرصت في حينه على قراءة ما يدونه قلمه القيم من آراء وافكار وقرأت كتابه علي سلطة الحق  تمنيت ان اقرأ بقية كتبه. وأخيراً اتيحت لي فرصة لأقرأ عدداً كثيراً من مقالاته وآرائه وافكاره فوجدت سلاسة وعمقاً في الطرح ووجدته يغور في النفس البشرية ويقدم دروساً مجانية لقارئه وودت ان اواصل قراءة ما سيقع بيدي لاحقاً، ولكن والحق اقول من دون مغالاة ان قراءتي لعزيز السيد جاسم تدمي قلبي، فطالما انا اقرأ له لاتفارقني صورته مع انني لم التق به شخصياً ولكنني ارى صورته ماثلة امام عينيّ وكأنه هو من يحدثني فيعتصرني الألم و اتساءل : لماذا نفرط بمبدعينا بهذه السهولة؟ تحليلي المتواضع ان رأس النظام السابق لم يكن يشعر بالإرتياح لوجود أية شخصية مبدعة خشية ان تحظى تلك الشخصية بالشعبية والحظوة بين ابناء الشعب فتغطي على شخصه لأنه كان يريد ان يظهر بشخص الزعيم الاوحد للشعب وماعداه شخوص اقل مستوى وحكمة ودراية منه . وتلك نرجسية عرف بها زعماء آخرون على مر التاريخ. لا ادري ربما اكون مخطئاً ولكن مهما يكن من امر فإن رأس النظام السابق قد بدأ ولايته بتصفية العديد من خصومه ومنافسيه ممن يخشى وقوفهم بوجهه ذات يوم واختلق المسوغات غير المنطقية للتخلص منهم ثم استمر على نهجه فتخلص من خيرة رجالات العراق وحسبنا انذكر هنا الشهيدين الصدرين والسيد جاسم وغيرهم الكثير والدموع تغالب العيون. مع ان الامور على النقيض تماماً لدى الانظمة المتحضرة التي تحرص على رعاية مفكريها وعلمائها في الاقل ليكونوا خير مستشارين عند الحاجة اليهم في الملمات والظروف التي تتطلب قرارات مصيرية انما عندنا فإن قراراً مصيرياً مثل الدخول الى الكويت يتخذ من دون ان يعرف به حتى كبار القادة العسكريين وكبار المسؤولين.

 ولكن عزاءنا الوحيد ان هؤلاء قد ذهبوا شهداء وهم الآن عند مليك مقتدر. ما اريد ان اشير اليه هنا هو  ان علينا اليوم الافادة من اخطاء النظام السابق وان لانكرر تلك الاخطاء ، فعلينا في الاقل الا نكون امة طاردة لمفكريها ومبدعيها.

السؤال المهم الذي سأطرحه هنا ولن أجيب عليه هو : كيف السبيل لنحتضن ما تبقى من مبدعينا في جميع المجالات، ليفيد منهم الوطن واهله بدلاً من ان يشدوا الرحال نحو امم وشعوب تستقبلهم بالاحضان والورود؟