الكبوة والهفوة والزلة، محطات غالبا ماتعترض سكة مسيرتنا من حيث نشعر ولانشعر، وقد يطول وقوفنا عندها وقد يقصر، وهذا يتبع مدى إدراكنا وحنكتنا ومَلَكتنا في احتواء المحن، ومثابرتنا على تجوزها، وقدرتنا على تجييرها لحساب تجربتنا فيما نحن خائضون غماره، وقد قال شاعر: لاتيأسنّ إذا كبوتم مرة إن النجاح حليف كل مثابر على أننا بتحصيل حاصل لابد من مغادرتها، من دون أن تشكل في حياتنا أكثر من درس، لاسيما لمن كان ضعيف الادراك قليل التجربة، والحذق منا من اتخذ منه موعظة تقيه شر الوقوع في مثيلاتها مستقبلا. وهذا مايشفع لنا باختلاق الاعذار حين نهفو، وكذلك يجبر المجتمع ان يغض النظر عنها ويعفو عنا مقابل اعترافنا بها، وجديتنا في إصلاح ما كبونا به وهفونا فيه. وهذا كله في الامور الحياتية التي نمر بها نحن البسطاء الذين لانمتلك سلطة إلا على أنفسنا، أما اذا كان الحديث عن رجل ذي سلطة ومنصب يحتم عليه القيام بواجباته التي يمليها عليه شرف المهنة -للشرفاء حصرا- فيكون المقال آنذاك على ضوء المقام. ومن المؤكد ان في عراقنا اليوم هناك المئات من ذوي المناصب، يعون تماما ان الواجب الأخلاقي والإنساني والوطني يفرض عليهم العمل بشكل مضاعف، كون بلدهم خرج من أتون عقود من الزمن، أثرت على دوران عجلة تقدمه قياسا مع عجلات تقدم باقي الأمم، ووطنيتهم توجب عليهم ان يضعوا العراق وخدمته (نصب أعينهم) وكما نقول: (يدارونه مثل المي بالصينية). الذي يحصل منذ أكثر من عقد على الساحة العراقية، هو مجموعة صراعات لاتمت بصلة الى الاختلاف في الآراء او التباين في وجهات النظر، بل هو أقرب الى الخلاف والعداء منه الى التوافق والتقريب وتقبل النظير، إذ لم يبادر أبطال الصراعات هذه بتصحيح خطأ، او تعديل انحراف، او تصويب خطل، او تقويم اعوجاج، سواء أكان لأنفسهم أم لزملائهم في مفاصل الدولة، بل على العكس من هذا، فقد حفر كل منهم خمسين حفرة لأخيه، ولم يدركوا أنهم جميعا واقعون في الدرك الأسفل من الحفرة لامحالة. فباستقراء بسيط لمسيرة كل من شاركوا في الحكومات التي أعقبت عام 2003، يتضح لنا جليا أنهم جميعا توقفوا عند محطات الهفوة والكبوة والزلة، علاوة على الغفلة والسهو، وجلّ من لايسهو. كما يتبين لنا أنهم جميعا بالغوا بالثقة بالنفس، وتجاوزوا حد الاعتداد، وبلغوا الغرور والتيه، كما أنهم أفرطوا بالتصرف بما منح لهم من صلاحيات، وتمادوا في التلاعب بما ائتمنوا عليه، في حين أنهم فرطوا بالفرصة التي منحت لهم في صناديق الاقتراع، وضيعوا التفويض الذي وهبهم إياه شعبهم، في التصرف بحاضره ومستقبله وحقوقه وكيانه ووجوده، فحصل ماحصل -بالتراكم والتعاقب والتتالي- من ضياع للحقوق وقلق في الحاضر وخوف من المستقبل وتهديد للوجود وهدّ للكيان، وأظن أن بعضهم أراد لملمة ما تفتق من جراح، فراح يلعقها بتمائم ورقىً لاتنفع، فلات حين مناص، من هذه التمائم الاستقالة. وأود هنا ان أذكِّر ساستنا ورجال المناصب والوظائف العليا في البلد، بتعريف الإستقالة كما وردت في مناهج كليات القانون والسياسة او الإعلام او غيرها من الأكاديميات التي تنشئ قياديين يصلحون لقيادة مجتمع سليم معافى، فهي تنص على: (الاستقالة هو الفعل الرسمي الذي يقوم به الشخص بالتخلي عن وظيفته أو منصبه. وتكون الاستقالة إن قام شخص ما بترك منصب له أو عمل حصل عليه بالانتخاب أو بالتوظيف). فهل نحى هذا المنحى مدمنو الهفوات والكبوات والزلات من قياداتنا وساستنا؟ وهل كان قصد من فعلها منهم (شريفا) وللمصلحة العامة؟ أم أنه انصياع لأوامر كتلته وحزبه وأسياده!
|