أنا والحزب الشيوعي 6 |
هناك فرق كبير بين الجمعيات والمنظمات المدنية الثقافية والاجتماعية وطبيعة عملها وأساليبها في تحقيق الأهداف وتعاملها مع السلطات الحاكمة وبين طبيعة الأحزاب الشيوعية واضطرارها الى استخدام أسلوب الكفاح المسلح لتقويض الأنظمة الدكتاتورية والرجعية أو مقارعة الاحتلال الخارجي حينما يكون البلد محتلا من قبل دول أخرى! سبب خلاف وصراع (لينين) مع (جورج بليخانوف) مؤسس الحركة الديمقراطية الاجتماعية كان يريد ان يكون الحزب (سلميا) في نضاله ضد القيصر ، بينما (لينين) كان يشدد على ضرورة ان يكون الحزب الشيوعي وأحزاب الحركة الوطنية لها تنظيم (حديدي) و(عسكري) بل يطلق عليه (اركان) كان يعنف رفيقه بليخانوف قائلا”أننا نريد إن نسقط القيصر ،ونظامه مدجج بالسلاح وبالأجهزة الأمنية من رأسه إلى أخمص قدميه، فهل يمكن إن نسقطه بالكلام المعسول ،وبالخطابات ،والمظاهرات وحسب بل علينا إن نقاتله حتى يسقط بفعل الثورة المسلحة ،حينما تم اعتقال (لينين) كان ضابط الأمن في عهد القيصر يهزأ بسخرية من أفكار (لينين) قائلا له :- انت تنطح الحائط ، تؤذي رأسك والحائط(القيصر) باقي! يجيبه (لينين) بكل ثقة (القيصر حائط منخور) وسوف يسقط من قوة رؤوسنا! كذلك الكفاح المسلح يحتاج إلى بيئة وتضاريس جغرافية صديقة للعمل العسكري ،وتعد الجبال،والغابات ،والاهوار أماكن نموذجية للعمل العسكري، بينما تعد المدن المكتظة بالمدنيين من الصعوبة ممارسة فيها العمل او الكفاح المسلح لأن الخسائر ستكون من نصيب الناس الأبرياء وليس القوات المناط بها حفظ النظام والدفاع عنه، الإشكالية التي وقع فيها الحزب الشيوعي هو تردده في استخدام الكفاح المسلح ، فبدلا من إن يكون العضو أو الرفيق تضحيته تكلف النظام ثمنا باهظا ،كان صيدا سهلا للأجهزة الأمنية ، يعتقل ويعذب و يسجن او يستشهد او يسقط سياسيا،وتبقى حسرة في قلب الرفاق الذين قدموا حياتهم من دون حتى ان يعطوا فرصه للدفاع عن أنفسهم أو الاقتصاص من أزلام السلطات الظالمة ،بينما لو تم التركيز على خاصية التدريب العسكري وحمل السلاح ويمتزج هذا الاستعداد بالانتماء الوطني والإخلاص الفكري (مثلما حدث للتجربة الثورية العسكرية لشعب فيتنام الشيوعي ضد الاحتلال وهزيمة دولة عظمى لهذا الكفاح والمقاومة المسلحة) لاختلفت الصورة السياسية في مراحل متعددة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وكذلك تاريخ الحركة الوطنية!
الحزب الشيوعي العراقي له تجارب (فاشلة) في الكفاح المسلح ،لأنه قد اختار هذا الأسلوب إما متأخرا أو غير مدروس وفي وسط انشقاقات واختلافات بين قيادات وقواعد الحزب،سنة 1963 حركة الأنصار في كردستان وتبعيتها الى الأحزاب القومية الكردية ولم تتبلور هويتها الشيوعية،حركة القيادة المركزية (عزيز الحاج) سنة 1968 ،كان العنف ضد اللجنة المركزية اقوي من عنفها ضد البعث،كما إن اللجنة المركزية عدت القيادة المركزية تحلم بثورة لم تتوفر لها الظروف الموضوعية المناسبة ،وكان نتيجتها الفشل واستشهاد العديد من خيرة الكوادر الحزبية ،والتجربة الثالثة للكفاح المسلح كانت عام 1979 بعد ان انهت اللجنة المركزية تحالفها الجبهوي مع البعث ، وكانت تجربة الأنصار من الصعوبة للرفاق الذين كانوا يفتقرون الى المهارات المناسبة والمرونة للتحرك في تضاريس جغرافية جبلية لم يتعودوا عليها ، وادخل الحزب أعضاءه في صراع المحاور حينما وقف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد حركة الاتحاد الوطني فأصابهم من الضرر الشيء الكبير.
كنا نحن نتحمس ونتعاطف أحيانا مع القيادة المركزية والرومانسية الثورية لحركة عزيز الحاج ورفاقه الذين كان تشخيصهم صائبا لحزب البعث الذي لا يمكن التفاهم معه إلا بقوة السلاح وليس بالسكوت على اغتيال وخطف واعتقال أعضائه والاستمرار بالتفاوض معه لعقد الجبهة الوطنية (التقدمية) ،كان رفيقنا المسؤول في الاجتماع ينتقد القيادة المركزية ويتهمها بالتطرف والماوية وبأضعاف الحزب ،وحينما نكون في جلسة عادية يتمنى لو كانت لديه رشاشة حتى يقتل كل رجال الأمن الذين كانوا يتلذذون بتعذيب الشيوعيين وإنهاء حياتهم إذا لم ينتزعوا منهم الاعترافات ،ترى هل اخطأ الحزب مرة أخرى حينما احتل العراق الأمريكيون؟ وبدلا من مقاومة الاحتلال بالكفاح المسلح لتكون مكانته التاريخية كما هي محفورة في الذاكرة الجمعية للشعب ! أرتضى المشاركة في مجلس الحكم ،والرضوخ الى أسلوب المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، أفضل من الانتحار السياسي -على حد تعبيرهم- وبذلك خسر الاتجاهين (الانتخابات والسمعة الثورية)! |