الرئاسات الثلاث من فشل لآخر

 

 لا يُخفى على احد من العراقيين يعانون من كساد في الذاكرة تجاه السياسيين الذين يحكمونهم ، وعلى وجه اخص سياسيو الصدفة اولئك الذين جاءت بهم مفارقات الاحتلال بكل ما انطوت عليه من احداث لم تكن في الحسبان ، ونتيجة لذلك احتلوا على حين غرة صدارة المشهد السياسي في البلاد مع انهم مجموعة من الشخصيات المعروفة بفشلها ، ولفرط ذهولهم  بالمناصب التي لم يخطر ببالهم الوصول اليها ،اصيبوا بما يطلق عليه جنون السلطة ، الامر الذي قادهم الى ارتكاب ممارسات طائشة ما انزل الله بها من سلطان ، وبأزاء ذلك تملك العالم بأسره شعور بالعجب لهذه الممارسات التي لا تقل في ضراوتها وقسوتها عما كان يجري من ممارسات ابان الحقبة الاستبدادية والتي وضعت العراق على مقربة من اخطار شتى هددت البلاد ووضعتها في مهب الريح ، ومن اعجب الامور ان سياسيي ما بعد عام 2003  والذين اصطلح على تسميتهم بسياسيي الصدفة سرعان ما هرعوا وبكل ما يملكون من وسائل الى زرع الطائفية بصورها المختلفة بحجة ارساء اسلوب المحاصصة في الحكم وعبر مسوغات وحجج اقامة التوازن بين مكونات الشعب العراقي ، لكن وبمرور الزمن وشيئاً فشيئاً انتبه الناس الى ما يتضح ويتوالد من نهب للمال العام وهيمنة مطلقة على المواقع والمناصب المهمة في الدولة ثم ما نجم عن ذلك من هدر للطاقات وتعطيل للقطاعين الصناعي والزراعي في البلاد علاوة على عدم الالتفات الى الخدمات العامة وعلى رأسها ما يعتري الطاقة الكهربائية من تدهور ونقص في الانتاج وتلكؤ في مشاريع اعمارها .يضاف الى ذلك كله اطلاق يد المليشيات في خطوة مقصودة ومتعمدة لتعكير امن المواطنين وترويعهم .

ان هذه الممارسات تقودنا الى الاعتقاد ان ما قدمه سياسيو الصدفة لا يعدو ان يكون شيئاً ضئيلاً ومتواضعا بالقياس الى الاموال المهدورة والسنين المنقضية من عمر الحكومات التي توالت على حكم البلاد الى يومنا هذا ، ولم يتحقق في هذا الاطار سوى ما كان يجري على السنة ساسة الصدفة من وعود ما انفكوا يرددونها سنة بعد اخرى من دون جدوى غير ملتفتين الى ان افضل القول هو ان تعمل .

أما رؤساء الحكومات السابقة تشاطرهم الحكومة الحالية فأن عباراتهم ظلت تأخذنا يوما بعد اخر الى الشك والارتياب تجاه نواياهم المتمثلة في تأكيداتهم بتفـــــــــعيل دور النزاهة وفتح ملفات الفساد حول شخصيات كبيرة في الدولة وليس ادل على ذلك ما سمعناه من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بفتح ملفات يمتلكها هو شخصياً حول شخصيات بعينها والتي ظل يرددها طوال ولايتين متتاليتين من عمر حكومتيه السابقتين والغريب  في الامر ان تلك التهديدات ظلت الى يومنا هذا حبرا على ورق وهي تهديدات تشبه وتتماثل تماماً مع تهديدات رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بالضرب بيد من حديد على حيتان الفساد حتى لو كلف ذلك التضحية بحياته كما اعلن ذلك اكثر من مرة ، وبهذا الصدد لا بد من التذكير بما اعلنه نوري المالكي في وقت ما من ولايته الثانية ودعا اليه وهو تشكيل حكومة اغلبية سياسية.

وعلى الغرار نفسه دعا العبادي الى تشكيل حكومة تكنوقراط وتلك الدعوات ان دلت على شيء فأنما تدل على انتفاء أي فروقات تذكر بين ما فعلته الحكومات السابقة وما تفعله الحكومة الحالية فكلاهما يدور في فلك واحد وحلقة مفرغة من دون تحقيق أي شيء على ارض الواقع فكلما كانت الكلمات اكثر قوة كانت الافعال اشد ضعفا. اما مجلس النواب فمن الواضح انه ليس الجهة الرئاسية الوحيدة التي يعتورها الخلل المستشري في الرئاسات الاخرى بل ان الخلل يكمن في الرئاسات الثلاث جميعها والتي قادت البلاد من فشل لآخر .

لقد كان الاولى برئيس الجمهورية معالجة امتيازاته الرئاسية قبل كل شيء والتي تكـــــــــلف خزينة الدولة اموالاً طائلة لا يناظرها مثيل في العالم بدلاً من ارسال المبادرات لحل ازمة مجلس النواب والامر لا يختلف كثيراً مع رئيس مجلس الوزراء والمحيطين به الذين عجزوا حتى الان عن احداث تغيير جذري في الدولة يتمثل بضرب الفساد وتحسين الاداء الحكومي في اقل تقدير.

وخلاصة القول ان ما يعيد للبلاد توازنها وهيبتها وينأى بها عن حافة الهاوية هو الكشف عن المفسدين مهما كانت مناصبهم وشخصياتهم واستعادة الاموال المسروقة منهم واحالتهم الى المحاكم المختصة تطبيقاً لمبدأ من اين لك هذا ومساءلة المتورطين في سقوط بعض المدن العراقية بيد تنظيمات داعش الارهابية ويبدو ان هذه الاجراءات لن ولم تأخذ سبيلها الى التطبيق ابداً بل اصبحت من المعجزات التي يعرف الجميع استحالة تنفيذها .