مذكرات أمراة عراقية

تجسد نجاة نايف سلطان في آخر أعمالها الكاتبة والأديبة والشاعرة والمربية، الأم والزوجة والأخت والصديقة . فقد اجتمعت هذه الصفات بامرأة تستحق أن تكون نموذجا للمرأة العراقية الأصيلة، المرأة الصادقة النبيلة الحنون المعطاء في حبها للوطن / العراق وشعبه.
لايزال شعب العراق يكافح من أجل المحافظة على جذوره وتاريخه وإرثه الحضاري... يتحدى هذا الشعب اعصارا هائلا تتعرض له بلادهم، ويقف بقوة وصلابة بوجه هجمة شرسة تستهدف وجوده كتاريخ وجغرافية وقيم وأخلاق ودين. ويقدم العراقيون التضحيات الجسام، قرابين من شبابه ورجاله لتقويض مخططات تسعى إلى استيلاد أجنة غير شرعية من أرض الرافدين.
إنه صراع أزلي، كأنه صراع الخير والشر... والتاريخ مليء بشواهد حيّة على هذا الصراع، فتلك ملحمة كلكامش وحروب الفتنة وأحداث كربلاء، وهجمات هولاكو وتيمورلنك. يبدو أن القدر شاء أن يضع العراق وشعبه في اختبار وجودي مستمر...!
قدّر لهم - العراقيون - أن يتحملوا أعباء أمانة التاريخ وشعلة الحضارة منذ كتابة أول حرف مسماري في أور القديمة... ثم قوانين حمورابي التي حفرت على حجر من رخام... حتى أول نموذج ديمقراطي في الحكم والادارة في مدينة الكوفة إبان فترة حكم الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب... ومن ثم أصبحت بغداد منارة العلم وقبلة العلماء وترسيخ قيم العقل والعدل في فترة المأمون العباسي حيث عاشت بغداد أزهى عصورها بما قدمته للعالم من تراجم ومدونات فكرية وفلسفية عبر دار الحكمة.
يبدو أن حتمية التاريخ تعلق أنشوطتها حول عنق العراق وشعبه في حقب متعاقبة..! وقد نشعر بالإحباط والقنوط ، وربما اليأس والاستسلام، حينما نسمع أخبار العراق اليوم..! لكن ذلك لن يدوم طالما هناك أناس أحرار يؤمنون بالكلمة ودورها في تهذيب العقول والنفوس من خلال وضع كشافات الحقيقة فوق وقائع التاريخ.
وقد لا نغالي إذا ما قلنا أن الكاتبة نجاة نايف سلطان، من أصحاب القلم الحر التي استطاعت في كتابها "مذكرات إمرأة عراقية"، أن تمنحنا، بصدق ومسؤولية، جرعة قوية من مصل المقاومة والصمود لكي نفيق من سبات موهوم، ونستعيد الأمل بالخروج من نفق الإنحطاط إلى نور الحضارة.
إنه كتاب جدير بالقراءة، ليس في جانب السرد الأدبي واللغة البسيطة فحسب، بل لكونه يدون أحداثا تاريخية معاصرة عن العراق وشعبه، برؤية حادة وحيادية بعيدة عن وعاظ السلاطين وأصحاب الأجندات والمصالح الفئوية الضيقة.
نجاة نايف سلطان المولودة في مدينة الموصل، تعلمت في مدارسها بين يدي معلمين مميزين، وكان للتنوع الاجتماعي والثقافي الذي امتازت به الموصل أثر في مسيرتها الأدبية والمهنية. نشأت في أسرة كبيرة ضمت مختلف التوجهات الفكرية والسياسية، وتنقلت بين مدن عراقية حتى استقرت في بغداد مطلع الستينيات من القرن الماضي.
الكاتبة نجاة نايف سلطان، واحدة من النساء اللائي أصررّن على مواصلة الدرب وإثبات الذات رغم المخاطر والتحديات التي تواجه النساء في بلد لا يزال يعيش ظروف استثنائية وحرجة منذ سنوات طويلة بسبب سلسلة من الحروب وتراكم الخسارات على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
ومن متبنيات الكاتبة حول بلدها، ترى أنه في ادارة العسكر حكم العراق بعد تأسيس الجمهورية الأولى كان لها آثار سلبية على الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية. وتعتقد أن المثقف الذي ليس لديه شجاعة الاعتذار عن مواقف سابقة غير قادر على أن يكون له تأثير أو دور ايجابي في المجتمع. وتردد على نحو دائم عبارة "غادرني النوم حنينا إلى بيتي"، وهي تسرد ذكرياتها، وتستعيد أيامها في كتاب السيرة الأول "مذكرات امرأة عراقية".
وكان الصحفي احسان الخالدي، قد اجرى مع الكاتبة نجاة نايف سلطان، مقابلة إذاعية في برنامجه الأسبوعي "ومضات" الذي يبث عبر راديو سوا. يمكن الاستماع للمقابلة على الرابط التالي:
https://soundcloud.com/iraq-headlines/q5kneza0ydz8