اضواء على الاقتصاد العراقي ... حوار مع الخبير الاقتصادي العراقي د. محمد علي زيني حاوره في لندن صادق الطائي الحديث عن الاقتصاد العراق بملفاته المتعددة له نكهة خاصة عندما يقدمه خبير اقتصادي عارف بكل تفاصيله ،له خبرة علمية وعملية في الكثير من ملفاته ،وهذا ما كان في الحوار مع الدكتور محمد علي زيني، الذي اتم دراسته الثانوية بتفوق في العراق مما اهله للحصول على بعثة لدراسة الهندسة الكهربائية في جامعة برمنغهام التي تخرج منها عام 1962 ،ثم حصل على بكالوريوس في القانون من الجامعة المستنصرية في بغداد عام 1973. واتم دراسته العليا في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة الامريكية حاصلا على الماجستير في اقتصاديات النفط عام 1977 ،ثم الدكتوراة في اقتصاديات النفط في نفس الجامعة عام 1980. عاد للعمل في وزارة النفط العراقية ،ومثل العراق في اكتوبر 1982 في أحد مؤتمرات منظمة أوبك في فيينا، ورفض الرجوع بعد انتهاء المؤتمر إلى العراق لخدمة نظام دكتاتوري ورّط العراق بحرب تدميرية مع الجارة إيران، ثم غادر بعد ذلك مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.و أشتغل في الولايات المتحدة الامريكية في الصناعة النفطية خلال السنوات 1983- 1998. استقال من وظيفته لدى شركة نفط إنتويل (Intoil) الأمريكية في سنة 1992 حيث كان يشغل منصب النائب التنفيذي لرئيس الشركة، ولكنه بقي مستشاراً مستقلاً لها .حيث كانت تلك الأستقالة للتفرغ لكتابة كتابه الموسوعي المهم (الاقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل). تم إكمال الكتاب ونُشرت الطبعة الأولى منه في صيف 1995. ثم صدرت طبعات منقّحة ومزيّدة في 2003 و2009 و2010. إنتقل الى المملكة المتحدة، للعمل خلال السنوات 1999 – 2010 لدى مركز دراسات الطاقة العالمية بلندن كخبير ومحلل اقتصادي لسياسات الطاقة. ، حيث كان مسؤولاً، ضمن اختصاصاته في المركز، عن شؤون الاقتصاد السياسي لدول الشرق الأوسط، وبالأخص دول الخليج، ومشاركاً في تحضير تقارير النفط الدورية التي تصدر عن المركز، ومحللاً في شؤون النفط والغاز والطاقة العالمية والاقتصاد، كما كان يقوم بإعداد دراسات حسب ما تقتضيه حاجة المركز. دعي من قبل مجلس إعمار وتطوير العراق (IRDC) في كانون الثاني 2003 للالتحاق بفريق إعادة إعمار العراق بعد سقوط النظام. عمل مع الفريق الامريكي كمستشار لوزارة النفط العراقية لمدة أربعة أشهر فقط (آيار – آب 2003) قضى معظمها في المشاركة بأعداد خطة إعادة اعمار البنية التحتية للصناعة النفطية بالعراق، بعد ذلك استقال من وظيفته نتيجة عدم قناعته بمسيرة عمل الفريق الامريكي وفساد الشركات المتعاقدة معه، وكذلك نتيجة خيبة أمل كبيرة أثر الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها قوى الأحتلال وتدهور الوضع الأمني والخدمي والمعيشي في العراق، ثم عاد إلى لندن ليستانف عمله لدى مركز دراسات الطاقة العالمية. رشّح لمجلس النواب العراقي – عن محافظة بغداد - خلال الأنتخابات العامة لسنة 2014 إلا أن مسؤولو السلطة الطائفيون الفاسدون وضعوا مختلف العراقيل أمامه لمنعه من الترشيح، من بينها اتهامه بكونه سجين سابق محكوم بجريمة (4 إرهاب)، وبناء عليه يحرم من الترشيح. وبذلك أشغلوه بالدفاع عن نفسه بدلاً من استغلال الوقت في الدعاية الأنتخابية، ورفعوا اسمه من القوائم في العديد من المراكز الأنتخابية. ولكن مع كل تلك الوسائل اللا أخلاقية نال نحو ألف صوت( أكثر مما ناله رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي). غير أن القوانين والوسائل المتبعة لفرز الفائزين فُصّلت على مقاساتهم، فعادة هم الرابحون. دكتور زيني ، هل يمكن ان نقدم فرشة سريعة تصف حال الاقتصاد العراقي وتحولاته منذ قيام الدولة الوطنية حتى الان بناءا على الدراسة المهمة التي كتبتها (الاقتصاد العراقي)؟ الأقتصاد العراقي بدأ زراعياً، كما هو متوقع من وادي الرافدين، واستمر كذلك بعد قيام الدولة الوطنية. ولكن هيمنة القطاع الزراعي أخذت بالأنحسار عندما بدأت صناعة استخراج وتصدير النفط الخام تكتسب الأهمية تدريجياً. كان العراق مكتفياً ذاتياً بالإنتاج الزراعي حتى أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ولكنه استورد 15 بالمائة من حاجته الغذائية خلال الستينات كما استورد 33 بالمائة من حاجته الغذائية خلال السبعينات ثم ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 70 بالمائة خلال الثمانينات ثم إلى فوق التسعين بالمائة بعد الاحتلال في 2003. بدأ قطاع الصناعات الأستخراجية، متمثلاً باستخراج النفط الخام، باكتساب الأهمية التدريجية حتى تمت له الهيمنة التامة على الأقتصاد العراقي بنهاية عقد الخمسينات. أما قطاع الصناعات التحويلية فقد بدأ بقاعدة ضعيفة جداً واستمرت كذلك حتى قيام الجهود التنموية المخططة والتفات الحكومة إلى الاستثمار في الصناعات التحويلية بعد تزايد الموارد النفطية، وقد تضمنت تلك الجهود إنشاء المصافي لتكرير النفط وكذلك استغلال الغاز الطبيعي في صناعات الأسمدة الكيمياوية والبتروكيمياوية إضافة الى إنتاج الغازات السائلة لاستغلالها محلياً. كانت الصناعات غير النفطية بسيطة ويعتمد أغلبها على الصناعات الحرفية، والمهارات المحلية الخاصة، والصناعات التحويلية التقليدية كصناعات النسيج والجلود والأغذية والتبغ والمواد الإنشائية. سيطر القطاع الخاص على تلك الصناعات حتى سنة 1964، وفي تلك السنة تم تأميم جميع صناعات القطاع الخاص التي زاد رأسمالها على 70 ألف دينار. على أن قوانين تأميم القطاع الخاص والقرارات التقييدية التي رافقتها أفرزت مردودات عكسية كبيرة على الاقتصاد العراقي، كالتي أفرزتها الجهود الحكومية الفاشلة في تطبيق الإصلاح الزراعي. إن توجه الحكومة نحو تأميم الصناعات الخاصة وتقييد أنشطتها قد دفعت بالكثير من رأس المال الخاص والعديد من المدراء الجيدين ورجال الأعمال الناجحين بالهروب إلى خارج العراق. إتسم قطاع الصناعات التحويلية بعدم الكفاءة في ظل القطاع العام (أي سيطرة الحكومة)، وسادته الصناعات الحربية خلال الحرب العراقية-الأيرانية، وتعرض للدمار والأنكماش نتيجة الحرب التي تلت غزو الكويت والحصار الأقتصادي المرير، وأخيراً الأندثار في ظل الأحتلال وما جاء به من فساد. كيف ترى دور التخطيط في النهوض بالقطاع الاقتصادي ،كما ارجو تسليط الضوء على تجربة مجلس الاعمار العراقي في حقبة الخمسينات؟ يمكن القول إن التخطيط الواعي السليم هو القاطرة التي تسحب وراءها المشاريع، بمختلف أنواعها، على سكة النهوض بالبلد، ليس فقط من حيث النمو الأقتصادي، وإنما من حيث كافة الجوانب الأخرى اللازمة لخلق مجتمع المدنية والرفاه. ذلك أن الأقتصاد الناجح يمكن أن يلعب دور الوقود الذي يحرك القاطرة، ولكن القاطرة (أي التخطيط الواعي السليم) هي التي تقود الى الهدف الأمثل، ألا وهو التطور البشري. بمناسبة هذا السؤال، أنا أقوم الآن بكتابة كتاب يبحث عن أسباب تراجع الحضارة العربية-الأسلامية ثم انطفاء شعلتها ليغط العرب بعد ذلك في سبات عميق، في حين تتململ أوربا ثم تنهض من نومتها لتمر بنهظة ثم تنوير، وبثورة علمية ثم صناعية لتسود العالم، ثم تتسلم هذه السيادة أمريكا (وهي امتداد لأوربا). وأبحث في هذا الكتاب عن الوسائل التي يمكن بواسطتها أن تنهض الأمة العربية من جديد لكي تلحق بالعالم المتقدم. سيكون عنوان الكتاب "نومة أوربا وسبات العرب: الأنسان هو الثروة". وأنا، إذ أرجو المعذرة على هذا الأستطراد، أستل من الفصل الأخير لهذا الكتاب مقتطفاً يبين نوعية الحياة التي أرومها لمجتمعات الوطن العربي. ففي إطلالة عقد التسعينات جاء البنك الدولي في تقريره السنوي عن التطور العالمي لسنة 1991 ليجعل الحياة الأفضل للإنسان هي الغاية الأساسية من التطور فيقول: (ان التحدي الذي يفرضه التطور ،في اوسع معانيه ،هو تحسين نوعية الحياة .ان نوعية من الحياة افضل ،خصوصا في بلدان العالم الفقيرة تستدعي دخلا اعلى ،لكنها تشتمل على اكثر من ذلك بكثير ،فهي تشتمل كغايات في حد ذاتها على مستويات اعلى من الصحة والتغذية ،فقر اقل ،بيئة انقى،تكافؤ فرص اكبر،حريات فردية اوسع ،وحياة ثقافية اغنى). لقد كان مجلس الأعمار العراقي في حقبة الخمسينات ناجحاً في عمله وقد خُصص له أفضل الكفاءات، كما كان يستعين بالخبرات الدولية الرصينة كلما نشأت الحاجة لذلك.
كيف د. محمد علي زيني دور النفط سلبا وايجابا على شكل واداء المؤسسات الاقتصادية العراقية ؟ عندما تكونت الدولة العراقية الحديثة في مقتبل العقد الثاني من القرن الماضي كان العراق دولة فقيرة ومتخلفة من كافة النواحي. ولربما كان الأقتصاد العراقي سيأخذ مجرى آخر لولا اكتشاف النفط في أراضيه. ذلك أن الأقطاع الزراعي كان كفوءاً نسبياً من حيث الأنتاج، وكانت الأقطاعات الزراعية الكبيرة ستتجزأ الى ملكيات صغيرة بمرور الزمن حتى لو لم يحدث إصلاح زراعي كما حدث إثر ثورة 14 تموز 1958. ذلك من حيث الزراعة، أما من حيث الصناعة فقد تطورت صناعة عراقية ناجحة نسبياً تحت قيادة القطاع الخاص وكانت ستنمو وتتطور الى الأفضل لولا التأميم في سنة 1964. وبغياب النفط لربما تطور الأقتصاد العراقي مثلما تطورت النمور الآسيوية. ولكن التطور الأقتصادي يحتاج الى قيادة حكيمة واستقرار سياسي. وإذا كانت القيادة حكيمة في ظل النظام الملكي بقدر تعلق الأمر بالأقتصاد فهي لم تكن حكيمة عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فهي كانت قمعية بامتياز ولم تُعنى بتربية "تدريجية" لجيل يتمتع بحقوق سياسية. وبالتالي حدث الأنفجار وتلته فوضى سياسية عارمة ومستمرة، اعتاشت خلالها الحكومات المتعاقبة على ريع النفط، ولم يسمح النزاع السياسي المتواصل باجتراح سياسة اقتصادية حكيمة، إذ لم تكن من المُفكّر بها أصلا. ثم جاءت دكتاتورية صدام حسين ومعها الحروب والخراب، وبالتالي الأحتلال الذي سلّم قيادة العراق الى مجوعة من الحفاة الفاسدين فدفعوا به الى حافة الهاوية. اذا ، ما هي مساويء الاقتصاد الريعي الذي عاش العراق في ظله منذ تأميم النفط 1972 ولحد الان؟ الريع ، بغض النظر عن التعريف الأكاديمي، هو دخل غير متعوب به وإنما تجود به الطبيعة. أما الحكومة الريعية فهي الحكومة التي تعتاش بصورة أساسية على دخل البلاد من الريع، أي أن الريع يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لتمويل ميزانيتها السنوية وأفضل مثال للحكومة الريعية هي الحكومة العراقية بالوقت الحاظر. إن لوسيلة تمويل الميزانية الحكومية في أي بلد إنعكاسات جوهرية على الواقع السياسي والأقتصادي والأجتماعي لذلك البلد. فالآثار التي تتولد من تمويل الميزانية في ظل اقتصاد ضريبي تختلف بشكل كبير عن تلك التي تتولد في ظل اقتصاد ريعي، ويمكن إيجاز تلك الأختلافات بما يلي: تبذل الحكومة في ظل اقتصاد ضريبي جهوداً مضنية من أجل الحصول على الأموال اللازمة لتمويل ميزانيتها. ويتم ذلك عادة بفرض الضرائب المختلفة وتحصيلها بموجب القانون. ونظراً لأن الضرائب تزداد بنمو أقتصاد البلد وتوسّع نشاطه، نجد أن للحكومة هنا مصلحة كبرى في توسيع النشاط الأقتصادي الدافع للضرائب من أفراد وشركات. لذلك نرى أن هكذا حكومة ترحب، بالطبع، وتشجع قيام أعمال جديدة أو مشاريع جديدة، ولديها دوائر حكومية تختص بالتعاون مع أصحاب المشاريع الجديدة لتسهيل وتسريع إنشائها. إن ديناميكية العلاقات هذه وتأثيراتها المتبادلة تستدعي توسعة القاعدة الأقتصادية أفقياً وعمودياً، بصورة مستمرة، ليس فقط من أجل زيادة كميات الضرائب المتحصلة بالتوازي مع التوسع الأقتصادي المستدام، وإنما من أجل توسعة سوق العمل أيضاً وخلق فرص جديدة للتشغيل تتناسب مع الزيادة المستمرة في حجم العمالة، والناتجة من النمو السكاني المستمر. وبأضافة فرص عمل جديدة ذات دخل مجزي تزداد الضرائب المدفوعة للحكومة. ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحكومة هي المسؤولة عن خلق الفرص لتشغيل المواطنين، وبتحملها تلك المسؤولية وإنجازها على وجه جيد تكون قد أدت واجبها تجاه دافع الضريبة. وعلى العكس من ذلك، نجد أن الحكومة في ظل اقتصادٍ ريعي غير معنية كثيراً بحيوية النشاط الأقتصادي وخلق حالة من النمو الأقتصادي المستدام من أجل توسيع القاعدة الضريبية وما يستتبع ذلك من زيادة في الضرائب المتحصلة، لأن الحكومة هنا لا تستند الى الضرائب في تمويل ميزانيتها. فموارد الريع، والحمد لله، تنساب بانتضام لتمويل الخزينة الحكومية، ولا حاجة إذن لفرض الضرائب على الناس، وكفى الله المؤمنين شر القتال. ولهذا نجد أن الحكومة هنا تكون عادة متراخية وكسولة وهي لا تتحمل مسؤولياتها في تنشيط الأقتصاد وتنميته باستغلال الحيوية الطبيعية للقطاع الخاص، ولا هي من جهة أخرى جادّة في خلق فرص عمل مجزي للمواطنين، طالما أمكن تكديسهم في الجهاز الحكومي المنتفخ باستمرار، وهو المكان التقليدي للبطالة المقنعة، أو ضخهم بقطاعها العام الفاشل وغير الكفوء، ليزداد فشله وضعف تنافسية منتجاته بزيادة كلفة الأنتاج، وهذا ما يحدث بالعراق الآن.
بعد التوصيف العلمي لاقتصاد الريع ، كيف يمكن ان نفعل مشاريع التنمية المستدامة للوقوف بوجه تدهور الاقتصاد الريعي؟ إن الطريق الوحيد للأبتعاد عن الأقتصاد الريعي والتخلص من مضاره هو الأستثمار في مشاريع تضعها خطط حكيمة تتناسب مع طبيعة البلد كما أوضحنا لها في ج2 أعلاه. ومن الجدير بالذكر هنا أن الأستثمار لا يقتصر على الوجه المادي فقط، كإنشاء معمل مثلاً، وإنما هناك إستثمار بشري، ولربما هو الأهم. ويتجلى هذا الأستثمار في التربية والتعليم والصحة العامة والمحافظة على البيئة وتحسينها، وكذلك الأستثمار في المرأة وتمكينها، فهي تلعب دوراً محورياً نفتقده – على درجات متفاوتة – في كافة الوطن العربي. إذ هي التي يقع على عاتقها العبئ الأكبر في تربية النشئ الجديد. ذلك أن الأطفال يحتاجون الى صحة وتعليم أفضل وقد أثبتت الدراسات في مختلف الدول النامية أن الأمهات ينفقن الجزء الأكبر من الدخل الذي يكون تحت سيطرتهن لمصلحة أطفالهن أكثر مما يفعله الآباء. أضف الى ذلك أن المرأة، نظراً لتماسها الدائم مع الأطفال، هي التي تنقل القِيَم الى الجيل الجديد. كيف يمكن ان تصف الاقتصاد العراقي منذ التغيير عام 2003 ولحد الان؟ بوضوح ومباشرة ودون تزويق : انه أقتصاد متخلف يشرف عليه مسؤولون أغلبهم جهلة فاسدون. و كيف يرى خبير اقتصادي مثل د. محمد علي زيني ،واقع الفساد في عراق اليوم؟ لم أر له مثيلاً في الأنحطاط سوى الصومال وبعض الدول المتخلفة الأخرى. ويشهد على ما أقول مصادر عامة عديدة ربما يأتي في مقدمتها الجدول السنوي لمؤشر الفساد، والذي تقوم بتحضيره منظمة الشفافية العالمية. إذ عندما تبحث في هذا الجدول عن العراق، وهو البلد العريق، لا تجده إلا برفقة الصومال والسودان وليبيا وأفغانستان. نحن متفقون على ان ما وصله الحال العراقي من التدهور يشكل خطرا غير مسبوق ، ماذا يجب أن نعمل وما هي الخيارات المتاحة لانتشال العراق من الهوّة السحيقة التي وقع بها؟ اولا ،إلغاء المحاصصة في الحكم وإزاحة الكتل السياسية الحالية إذ جميعها قد استمرأ الفساد. ثم تنصيب تكنوقراط مشهود لهم بالنزاهة والوطنية والأقتدار لأدارة دفة االحكم لنحو 3 – 4 سنوات من خلال 12 الى 15 وزارة فقط. حل المجلس النيابي وتنظيف السلطة القضائية من الفاسدين. محاكمة كافة المشتبه بهم بممارسة الفساد من داخل الحكومة وخارجها. توقيع العقوبات بالمدانين قانوناً واسترداد الأموال المسروقة. الأشراف على إصدار دستور وطني جديد. العمل على إعادة بناء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يمليه الدستور إضافة الى إعادة بناء جيش عراقي مهني بموجب قانون جديد للتجنيد الألزامي. وماذا عن الاستثمار في العراق ؟ وكيف يمكن ان نطوره ونستثمره للنهوض بالواقع العراقي؟ لا يجري الآن بالعراق أي إستثمار بالمعنى المتعارف عليه. فالجزئ الأستثماري من الميزانية الحكومية السنوية يسرق عادة من قبل الكتل السياسية. ولذلك نجد العراق أرضاً جرداء خالية من أي بناء جديد، مدرسة أو مستشفى أو معمل لأنتاج سلعة ما. وإذا كان هناك بناءاً جديداً قائماً فإنه بناء كاذب، على الأغلب، وسرعان ما يتهاوى ويندثر. لذلك إن أردنا تفعيل الميزانية السنوية الأستثمارية يتعين، إذن، القضاء على الفساد من جذوره وهذا بدوره يتطلب التخلص من الكتل السياسية التي تتشارك فيما بينها بحكم العراق. أما الأستثمار الخاص، عراقي أو أجنبي، فهو غائب نظراً لعدم توفر البيئة المؤاتية. وشروط البيئة المؤاتية، باقتضاب شديد، تتطلب توفير ما يلي: الأستقرار الأمني والسياسي، الأطار القانوني لتنظيم عمليات الأنتاج والتوزيع وتأمين حرية المنافسة في السوق، القضاء المستقل للحسم في قضايا المنازعات التجارية وتحديد حقوق الملكية الخاصة وضمان الحماية التامة لها، إستقرار الأقتصاد الكلي (ماكروإيكونومي) بما يتضمن السيطرة على التضخم المفرط، أسواق مالية واسعة من خلال تطوير وتحديث البنوك المحلية والأنفتاح على البنوك والبيوتات المالية الأجنبية، والسهولة في بدئ الأعمال الجديدة دون التعثر بالبيروقراطية والروتين الحكومي. إن هذه البيئة المؤاتية فيما لو توفرت في محافظة البصرة، مثلاً، لأصبحت جاذبة لرؤوس الأموال الخليجية، وبالأخص أخوتنا المستثمرين الكويتيين، فهم أولى من غيرهم بالأستثمار في البصرة مدينتهم الثانية بعد الكويت. لقد ترشحت في الانتخابات البرلمانية السابقة عن التيار الديمقراطي ،هل كان في جعبتكم خططا للنهوض الاقتصادي في العراق؟ لم يعرض التيارخطة تفصيلية لاتباعها من أجل النهوض الأقتصادي في العراق، ولكن برنامجه الأنتخابي أحتوى على عدة محاور كان المحور الأقتصادي واحداً منها. وقد احتوى هذا المحور على 12 نقطة كل واحدة منها تبين باقتضاب ما هو المطلوب معالجته من الناحية الأقتصادية. وفي حالة ترشّحي للأنتخابات البرلمانية القادمة سيكون الفصل العشرون من كتابي الجديد وعنوانه "إعادة الأعمار" المادة الأساسية لخطة النهوض بالأقتصاد العراقي. |