تخلفنا أم تأخرنا؟!!

 

هل نحن شعوب متخلفة أم متأخرة؟
التخلف: من خلْف أي ضد قُدام.
وقد تعطي معنى التأخر لكنها ترتبط بمعاني أخرى كالرديئ. وتشير إلى الخُلْف والإخلاف والخوالف.
وتقول خلَفَ فم الصائم إذا تغيرت رائحته وكذا اللبن والطعام, أي أنها تشير إلى الفساد.
ونقول أخلفه ما وعده وهو أن يقول شيئا ولا يفعله في المستقبل.
"فرح المُخلّفون بمقعدهم خلاف رسول الله".
ونقول تخلف عن المجيء أي لم يحضر, وعن العودة أي لم يرجع. وفي كل هذه المعاني المرتبطة بالكلمة نجد طاقة سلبية واضحة وذات طابع ضار.
التأخر: مضى قدما وتأخر أخرا, ففي معناها أن هناك حركة متواصلة باتجاه لكنها متباطئة مما تسببت في التأخر.
ونحن نصف أنفسنا بالتخلف , وهي كلمة سلبية تعطي معنى العجز الكبير والشلل التام , الذي يفضي إلى الموت الحضاري والانقراض النفسي والفكري والروحي.
وقد تكررت كلمة التخلف في كتاباتنا وخطاباتنا وأقوالنا مرارا, وعلى مدى العقود الماضية , ومنذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى اليوم, ولازلنا نعيد الكلمة وندّعي بأننا متخلفون ونقر بذلك ونتيقن.
وبسبب هذا التكرار المقيت , تعودت عقولنا على التخلف وترسخت في وعينا مبررات ومفردات السلوك المتخلف, ولهذا ما تمكنا من التخلص من فروة التخلف والخروج إلى عالم التطور (كما هو الحال والقول العام).
والحقيقة التي لا نريد أن نراها هي أننا مجتمعات متأخرة وليست متخلفة , فالتأخر يعني عامل الزمن بالأساس . أما التخلف فيعني عوامل شاملة وذات مؤثرات سلبية لا محدودة في حياة المجتمعات.
وعندما نقر بأننا مجتمعات متأخرة وليست متخلفة , يكون علينا ومن واجبنا أن نؤمن بصدق وجد واجتهاد وثقة وإصرار, بأن الزمن سيف إن لم نقطعه يقطعنا.
وأن علينا أن نسير بأقصى سرعة ممكنة لكي نعبر حواجز التأخر وندخل في ميادين التقدم والرقاء.
وهذا يتأتى باستنفار طاقات أبناء المجتمع كافة وبلا استثناء , من أجل تحقيق السعادة الوطنية والمساهمة في تفاعل الأجيال الإيجابي وإضافاتها النوعية إلى مسيرة بعضها البعض.
أما الخروج من التخلف كمفهوم راسخ في العقل والوعي والسلوك, فهو نوع من اللاممكن , لأنه قد حقق العجز النفسي والروحي والفكري وقيد القدرات وحطم التصورات , وأصاب الحياة بالاندحار في قبور الأسلاف , وأوجب على الأحياء التحرك وكأنهم يحملون أبدانا ميتة لا قدرة لها على الحراك والمقارعة والمطاولة والتحدي والنماء.
فالتخلف يمنح المجتمع أدوات التلاشي والاندثار الكياني الأكيد , الذي لا مفر منه ولا مخرج على الإطلاق. وقد عاشت الأجيال ولا تزال مأزق الإحساس بالتخلف , وما استطاعت أن تخطو خارج أسواره أو أن تتحرر من قيده.
أما التأخر فأنه حالة مفتوحة ومرتبطة بعامل الزمن , وهو مفردة تغذي الشعور بالتحدي والإصرار والمسابقة والمواكبة والإيمان بالوصول والفوز.
وأنه صوت يمد الطاقات بالقدرات والهمم اللازمة لتحقيق الأهداف المرسومة في الحياة.
ومن هنا, فأن الإقرار بالتأخر موقف إيجابي ونظرة متفائلة إلى المستقبل, أما الإقرار بالتخلف فأنه نظرة سلبية ذات أبعاد نفسية وفكرية مدمرة للمجتمعات.
وعليه , فنحن مجتمعات متأخرة , لكننا نمضي في الطريق وما نحتاجه هو أن نزيد من سرعة جرينا الحضاري , وتوفير طاقاتنا لخدمة صيرورتنا المعاصرة , والمضي بأقصى ما عندنا من الإمكانيات , لكي تكون خطواتنا كبيرة وإنجازاتنا ذات قيمة مؤثرة في رسم خارطة المستقبل وتشييد عمارة الوجود اللائق بنا , والذي يجلب الفخر لأجيالنا , ويسعد أجدادنا الذين قدموا أنفس الأفكار وأصدق العطاءات الإبداعية , التي قررت مصير الحضارة الأرضية.
ويبدو أن الميل إلى إستخدام كلمة تأخر وإسقاط كلمة تخلف من كتاباتنا وخطاباتنا ووعينا أصبح ضرورة وفعل إيجابي , لأن الزمن له دور فاعل في حالة الصيرورة الحضارية.
ونحن لسنا متخلفين بقدر ما نحن متأخرين.
فقد تمكن أبناء الأمة في كل وطن من التعامل مع الكومبيوتر في وقت قياسي , وأصبحوا مثل باقي الشعوب في قدراتهم , وأن نسبة المستخدمين له قد تنامت بسرعة غير مسبوقة برغم الظروف التي تكتنفهم, وقد عبّروا عن قدرات متميزة وهذا يعني أن الزمن قد فعل فعله في تأخرهم , لكنهم يمتلكون القدرة على تجاوز معطياته التي أخرتهم.