أبو زينب، جار عزيز علينا، وداره ملاصق لدارنا، يمتلك سيارة من نوع"فولكا"، موديل قديم، قد أكل وشرب الدهر عليها، لكنه كان يستخرج منها قوت عياله، في زمن الحصار الذي فرض على النظام البائد، بسبب استهتاره ومغامراته، التي استنزفت من الشعب العراقي، الدماء والاموال.
اعتدت ان اخرج كل صباح باكر الى العمل، فأجد جاري ابو زينب جالساً في الشارع امام سيارته، وكأنه منتظرني حتى أدفع سيارته مع بعض المارة لكي تشتغل، دام هذا الحال فترة من الزمن، وكأن الاقدار كتبت عليّ هذا الدفع، أو هناك اتفاق بيني وبين جاري يلزمني به، ويجب الوفاء، وعدم الخيانة!.
لا اريد ان أطيل عليكم القصة، في يوم من الايام، جاء ما ليس في الحسبان، وفعل جاري ابو زينب حادث بسيارته، واصاب أنسان كسّر له أضلاعه، فأضطر لبيع سيارته الهالكة، وتقرض فوقها أموال لدفع الدية، فأصبحت أنا مابين حزين وسعيد، حزين على جاري المسكين، وسعيد لخلاصي من بلاء الدفع، ومصائب قوم عند قوم فوائد!.
حادثة ابو زينب، ذكرتني بقصة قرأتها في كتب الحديث:جاء أعرابي للإمام الحسين عليه السلام، سلم عليه وسأله ان يقضي له حاجته. قال الحسين له : ما حاجتك ؟ فكتبها على الأرض . فقال له الحسين : سمعت أبي عليا يقول : قيمة كل امرئ ما يحسنه ، وسمعت جدي رسول الله يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فأسألك عن ثلاث خصال فإن أجبتني عن واحدة فلك ثلث ما عندي ، وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ، وإن أجبتني عن الثلاث فلك كل ما عندي ، وقد حملت إلى صرة مختومة وأنت أولى بها. فقال : سل عما بدا لك ، فإن أجبت وإلا تعلمت منك ، فإنك من أهل العلم والشرف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقال الحسين : أي الاعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله والتصديق برسوله . قال : فما نجاة العبد من الهلكة ؟ فقال : الثقة بالله. قال : فما يزين المرء ؟ قال : علم معه حلم. قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : فمال معه كرم. قال : فإن أخطأه ذلك ؟ قال : فقر معه صبر. قال : فإن أخطأه ذلك ؟ قال : فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه ! فضحك الحسين، ورمى له بالصرة وفيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مأتا درهم وقال : يا أعرابي ! أعط الذهب إلى غرمائك. واصرف الخاتم في نفقتك. فأخذ ذلك الأعرابي وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته !
حكومتنا وبرلماننا، شأنهم شان سيارة جاري، 13 عام، المرجعية والناس الخيرة مبتلية بها، و يدفعون بالدولة العراقية بالتي هي أحسن، وما نافع بيها، يوم يزعل الكردي، ويوم السني، ويوم الشيعي، لا هم مشكلين اغلبية سياسية، ومكونين حكومة جديدة، ولا هم جاءوا بحكومة تكنوقراط شاملة، ومريحين الشعب العراقي، وباقية القضية هرج مرج، وتاليها تنزل عليهم صاعقة من السماء، كما قال الاعرابي، وتخلصنا منهم، كالتي خلصتني من سيارة جاري وأراحتني منها!
|