السماوة مرثية ( سعدي وحسين نعمة )

عرفت مدينة السماوة منذ صباي من خلال هاجسين .

الأول سمعته في المذياع من خلال أغنية لصديقي المطرب حسين نعمة والمسماة ( نخل السماوة ) وأظن أنها ثانية أغنية له بعد اغنيته الشهيرة الأولى يانجمة .

والهاجس الثاني هو مقطع شعري لقصيدة الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف في قصيدته الشهيرة ( سيدة النهر ) وفيها الاشارة الى السماوة المكان والمنفى :

(( توهمت نخل السماوة, نخل السماوات
حتى حسبْتُكِ عاشقةً
فانتظرتُ النهار الذي يطلعُ النجم فيه ))

بين السماوة وقلوبنا وأفياء نخيل حسين نعمة وسماء اليسار العراقي في سيدة سعدي يوسف حين تشغل الاخضر بن يوسف مواويل حنين غربته لذكريات ( نكرة السلمان ) ، يأتينا وجه المدينة الذي ابقى لوجوه فقراء المدينة شارة أبد غريب وهم يحاولون ربط خط الضوء والدمعة بين ضفتي الفرات وخاصرة الصحراء الممتدة من بحيرة ساوة حتى اسوار سجن السلمان حيث تسجل الخواطر الماركسية ليل طويل من الأمل والاصغاء لحدي البدو وهم يقودون قوافلهم المحملة بسكائر (الروثمان ) المهربة بين العراق والسعودية .

جدران السجن التي كتب عليها سعدي يوسف مشاغل اخضره الجزائري ورسم على طابوقه الكلسي عبد الله كوران أناشيده الكردية المغناة حنينا الى الينابيع والقممم العالية ونايات الرعاة الكرد.

وبين الاغنية والقصيدة مسافة الطريق ذاتها مشاها ملك اوروك ( جلجامش ) وهو يئن من خيبة عودته بدون خلود وتفاحة الجنة المتمناة ، ولهذا بقي فقراء المدينة يشيدون احلامهم على أمل الوعود بأنجاز شيء يطور وينمي المدينة التي لم تلد في اشياقها سوى خبز البطون الجائعة وبنادق الثوار.

دائما اتخيل مدينة السماوة على شكل مرثية أودعتها سومر عند جبين النهر لتطمئن بأن السماويون يمكنهم ان يقطفوا من التمر حنين الازمنة ويعيشوا بكبرياء لايسمح للملح وغبار الاسمنت ان يغير من ملامح الطيبة والكبرياء الذي يملأ وجهوههم .

لهذا ابقت المدينة في سرها غموض ما تود وتشتهي في اسرار المكان الواصل بين الوسط والجنوب ، بين المدن المقدسة ومدن الاهوار ، بين القصيدة والعود الذي دندن للنخل اغاني ( طرة ) السمراوات في صخب السوق المسكف ومواسم اعراس البلابل بعد أن يحمل النخل في عثوقه مواسم الغعشق والحلم والثورات.

هذه المدينة مع كل هذه الاساطير والفنتازيا ، لم يخدمها المسؤول والحاكم ابقوا غبار سحنتهم ولا أباليتهم معلقا تحت اجفان انتظار ظهيرتها وصباحها وليلها ولم يتحقق شيء.

قصفتها الطائرات الاطلسية ، وسرقت الحروب شهداءها ، واكل الجوع في بطون فقراءها ،ويقال ان اخر محافظ لها لديه اكبر مزرعة لتربية الغزلان في بستان له في قضاء الرميثة.

وما بين الغزال وحلم المراثي في مقاهي المدينة ، يتوالد ما هو مكتوم في نظرة الغضب واليأس من أولئك الذين يديرون دفة الحياة في المدينة التي تفتقد الخدمات في كل شيء.

وفوق كل هذا الأسى تأتي سيارات داعش البائس لتختار النهار الآمن والرخو امنيا في المدينة وتفجر سيارتين بشكل مزدوج واقساها تلك التي تم تفجيرها في الكراج الموحد.

وهاهي السماوة تعطي الوطن حوالي اربعين شهيدا ....

اربعون روح فقيرة وطيبة وهادئة وآتية للبحث عن رزقها ركبت لها اجنحة حمائم وطارت الى السماء برغبتها أو بدونها .

المهم انها اصبحت شهيدة.

بين السماوة ومرثية سعدي يوسف وحسين نعمة .تظل السماوة المدينة التي غسل خدها جلجامش بدموعها . ولم ينل فيها سوى البكاء على خله انكيدو وشهداء السيارات المفخخة.