أنا والحزب الشيوعي 8

 

 كان السفر الى الدول الاشتراكية في فترة السبعينات سهلا بسبب قوة الدينار العراق مقابل الدولار وضعف عملات الدول الاشتراكية مقابل الدولار ، يستثنى من هذا دولة يوغسلافيا ،لأن عملتها (الدينارة) – الحمرة- كما يطلق عليها كانت قوية ايضا ،وهي من الدول التي فتحت القبول للدراسة الجامعية للعراقيين على النفقة الخاصة ! من الذي اوصلني الى شبه جزيرة البلقان ؟ السياسي يحب سفر وتغيير الاماكن اكثر من الانسان البعيد عن السياسة،والشيوعي بالذات تكون رغبته جامحة للسفر من اجل الاطلاع على تجارب الشعوب في مجال السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية ،وقد يتخلص من ظلم النظام الحاكم وينجو بحياته قد يعتقد بأنه سوف يعيش في جنة الارض المجتمع (الشيوعي) ، سبب اخر يزيد الرغبة بالسفر وهو العمر،الشباب يتوق الى الحركة والسفر اكثر من الرجال الناضجين حيث لا زال الشاب لم يتحمل اية مسؤولية اجتماعية من زواج وأطفال، انا تجمعت كل الظروف لتشجيعي على السفر ،الفشل في الحب، عدم قناعة التحصيل الدراسي (معهد) ،وجود والدي في الكويت اي توفر الامكانية المالية للدراسة على نفقتي الخاصة،ثم ان اصدقائي من خريجي اعدادية التجارة والذين لن يحصلوا على مقعد في المعهد وللتخلص من العسكرية سارعوا قبلي للسفر، الى أين –الدولة المرشحة والتي ترحب بالعراقيين في ذلك الوقت هي يوغسلافيا- تركت المعهد قبل نهاية النصف الاول من سنة 1976-1977  ?وسارعت بالسفر الى يوغسلافيا بعد ان حصلت على قبول ارسله لي احد الاصدقاء من بلغراد ،المعلومات المتوفرة لدينا نحن الشيوعيون عن يوغسلافيا على انها دولة شيوعية لكن ليس فيها حزب شيوعي بل هناك (عصبة شيوعية) بقيادة مطلقة لشخصية رمزية مناضلة حاربت النازية وجيوش هتلر في الحرب العالمية الثانية لتحصل على استقلالها الوطني وبالرغم من مساعدة الجيش السوفيتي للثوار اليوغسلاف الا ان سرعان ما اختط (تيتو) لبلده – يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية –  خطا مستقلا عن السوفيت والكتلة الاشتراكية ليكون جزءا من دول عدم الانحياز،الحزب الشيوعي العراقي اتهم تيتو (بالبرجوازي) ويدعم رأيه تصرفات وزيجات تيتو المتعددة والرفاهية التي يعيشها مع زوجته الشابة في احدى الجز الغنية الرائعة ، وكان البعض يسخر من عدم الانحياز لأن الدول التي تنضم الى هذا الحلف هي اما منحازة لأمريكا وحلفائها أو الى السوفيت واوربا الشرقية لذلك ما تراه في يوغسلافيا لا تراه في بلغاريا او هنغاريا او البانيا ورومانيا وبولندة وجيكوسلوفاكية ، ايقاع تلك الدول تختلف عن ايقاع اليوغسلاف والتي كانت تتكون من ست قوميات ،ظاهريا كانت لها الولاء الى العاصمة بلغراد عاصمة القومية الصربية، ولكن في الخفاء كانت شعوب هذه الجمهوريات اليوغسلافية ولائها للقومية،كان تيتو يحكم قبضته على الشعب فلا احد يجرأ على المعارضة ولكن حينما مات تيتو سنة 1980 ماتت معه القبضة الحديدية، كان تيتو لا يطيع السوفيت وله مقولة مشهورة (أذا امطرت السماء في موسكو لست مضطرا ان افتح مظلتي في بلغراد) واين ما تسير ترى تماثيل لجوزيف تيتو ولافتات بخط كبير (مي سمو تيتو تيتو لي ناش) ترجمتها – كلنا تيتو وتيتو كلنا- ألا يذكرك بما يقال عن صدام ؟! وتوجد مظاهر للبرجوازية وهناك الملكية الخاصة وتجد ايضا من هو الغني بالاضافة الى الفقراء ، حتى ان الدينارة اليوغسلافية هي لها قوة شرائية تنافس الدولار على عكس ما موجود في بلغاريا او بولنده التي تعاني من التضخم وانتشار السوق السوداء.وحينما كنا نزور بعض المدن في الجمهوريات اليوغسلافية الاخرى مثل سرايفو والتي تضم المسلمين (فقط بالاسم) وكذلك جمهورية  (سلوفينا)  على حدود النمسا ، عندما نتحدث معهم باللغة الصربية كانوا يردون علينا بنفس اللغة لكنهم يقولون لا نعرف نتكلم اللغة الصربية، كان هناك تعصب قومي ونزعة الى الاستقلال وفك ارتباط هذه الجمهوريات التي تحولت فيما بعد الى سبع دول  “صربيا – كرواتيا – سلوفينيا- البوسنه والهرسك – الجبل الاسود –  مقدونيا –  اقليم كوسوفو – ونحن نتساءل لماذا ينهار المجتمع الاشتراكي بمجرد موت الزعيم ليصبح اسم يوغسلافيا بعد موت تيتو من يوغسلافيا الاشتراكية الى يوغسلافيا الاتحادية ! وان تصل الى يوغسلافيا حتى يقولون لك تستطيع ان تحصل على شهادة اللغة من دون ان تحضر او تدرس وتمتحن بالنقود! او ان تدخل معهدا رصينا يطلبونك بالحضور والتحضير والامتحان وقد ترسب اذا لم تتقن اللغة ،انا اخترت الخيار الثاني  وتعلمت لغتهم (صربسكو خرفاتسكو يزك) ومكثت فيها 14  شهرا، واول ما يصل العراقي الى بلغراد العاصمة لا بد ان يتصل بالتنظيم الموجود في الخارج،كان الشيوعيون هناك اقوى من البعثيين ،يمكن لأن البعثيين لا يرون يوغسلافيا مناسبة لهم بل هم يفضلون باقي الدول الاشتراكية عن يوغسلافيا خاصة وان الزمالات الدراسية هي من نصيبهم ، كان كل شي يعكس الوضع العراقي ، الخلافات ، الصراعات، النصب والاحتيال ،ثم مشاكل الجبهة الوطنية، نعم هناك لجنة للجبهة الوطنية في الخارج ،كانت المنافسة شديدة ليس في مجال السياسة هنا بل في المجالات الحفلات والاحتفالات ، كنت املك صوتا لا بأس به وقد حفظت بعض الاغاني الشيوعية لأنتمائي الى فرقة الطريق الشيوعية بقيادة الفنان الراحل (طارق الشبلي)، بعد احياء العديد من الحفلات بمناسبات عديدة واشتهرت هناك ، لم اكسب الا عداوة السفارة العراقية التي كلما زارها احد تحجز جوازه ويبقى بدون جواز !انا شخصيا كنت ارغب في تغيير مكان دراستي من يوغسلافيا الى الاتحاد السوفيتي ولم يصغ لي احد لأن الكثير من الطلاب يحتاجون الى هذه الفرصة اكثر مني،كنا نحن الشيوعيون نتدرب على الاغاني في اعالي قلعة (كالميغادان) التي تطل على التقاء نهر الدانوب بنهر سلفا، سفري الى يوغسلافيا وباقي الدول الاشتراكية في منتصف السبعينات جعلتني اتساءل اذا كانت دول اوربا المتقدمة لا تعطي صورة ناصحة للشيوعية وهي تحكم ! ترى كيف سيكون شكل الحكم الشيوعي في البلدان المتخلفة ؟ يمكن ان تكون الاجابة عليها من خلال مراجعة تجربة الحكم الشيوعي في (افغانستان ) و(اليمن الجنوبي).