الليبرالية الجديدة على شفا الهاوية

 

تصدى الكثير من المختصين للوقوف امام ما جاءت به الليبرالية الجديدة منذ تباشيرها الاولى في عقد الثلاثنيات. ولم يلتفت الباحثون فيها والمروجون لها الى الطروحات المقابلة أو يعيروها أي اهتمام. رغم ما احتوت عليه هذه الطروحات من الحقائق التي تركزت على افضل ما هدف اليه البشر وهو تحقيق العدالة في كل نشاط وانجاز بشري لكي يستقر عند اهدافه منتشياً بنجاحه وانتصاره. وقد تناكفت مبادئ وتوجهات الليبراليون الجدد مع اي ما حققته الانسانية في مسيرتها من المفاهيم والبناء الانساني عبر نضال طويل كان له ثمنه الباهض. وقد وصل هذا التجاوز لينال حتى الحريات التي نالها الانسان لتمسخها على شكل زجه في آلية الانتاج لتكون حريته هي فيما يحصل عليه من الاجر الذي يبقيه على كفاف محسوب لا يتيح له ان يستخدم العقل او التطلع الروحي الذي يمكنه من المساهمة في النمو الاجتماعي بعدما يكون قادراً على تطبيق قواعد العيش الكريم بغذاء ودواء وتعليم وسكن صحي وممارسة حياتية حرة. بعدما نفضت البشرية غبار الحربين الاولى والثانية قبيل منتصف القرن العشرين والتي تركت الدمار يحل في معظم ارجاء الكرة الارضية. بادرت الامم للملمة جراحها ولاعادة الحياة الى ما تعطل لديها من القدرات والطاقات. واشتركت كل الاقتصادات كبيرها وصغيرها بان اخذت سلطاتها زمام الامور مركزياً لتنظم مسيرة البناء والاعمار والنهوض الجديد، رغم الاختلاف الواضح في الانظمة الاقتصادية التي طبقتها او اعتمدتها اي منها. فما كان من الولايات المتحدة الا بأن تزج بمليوني عامل عادوا من ساحات القتال يواجهون البطالة، في مشاريع بناء الطرق الخارجية الهائلة التي تربط بين اصقاع  الولايات المتحدة الواسعة ولمدة عشرين عاماً قضى فيها معظم المليونين نحبهم. وكذلك اوربا التي ضحت بكل مباهج الحياة لديها انكبت سلطاتها وشعوبها على العمل للنهوض والخروج للحياة من جديد بجد ومثابرة سجلها التاريخ بما تحقق بجانب البناء من الوسائل التطبيقية الحديثة والمبتكرات التي اوصلت اول انسان روسي للفضاء الخارجي ليدور حوله. وبعد ان بدأ تحول المال الى غول خرافي يعجز البشر عن صده او مقاومته تداعت وتنادت ادوات اخرى لم تعرفها البشرية هدفها السيطرة والاستحواذ على كل ما في يد الاخرين حتى لو كانوا من العراة الحفاة في الغابات والفيافي. وكان من ادوات الليبرالية الجديدة، حركة او برنامج العولمة الجهنمي الذي لا يختلف في هجماته عن الموجات البحرية العاتية التي صرنا نعرفها بالتسونامي، التي لا تبقي امامها ولا تذر. واليوم وبعد ان بدأت ملامح انهيار الليبرالية الجديدة التي ستذهب محملة باللعنات لما خلفته من دمار فاق الدمار الذي خلفته الحروب الدامية. ومن مؤشرات هذا الانهيار هو تراجع سعر برميل النفط الذي لا يشكل انتاجه أو تسويقه اية فعالية اقتصادية. فهو ثروة كامنة اصبح الاستحواذ عليها مستداماً منذ العام 1926 عندما اطلق احد الدهاة الانكليز مقولته في كتابه (اسرار السياسة الدولية) عندما قال (ان الثروات الكامنة هي ليست ملكاً لمن يقف عليها، انما هي ملك لمن يحسن الانتفاع بها) . وتأسيساً على ذلك فان النفط ربما هو السلعة الوحيدة التي يحدد سعرها المشتري وليس البائع الذي يمسك حساب التكاليف ليقف صاغراً أمام المشتري الذي يرمي عليه ما يحدده من سعر لبرميله. اضافة لذلك فانه يندر أن نرى أن أي بلد نفطي انتفع بالنفط مثلما انتفعت الاقوام الاخرى التي استحوذت عليه. وربما تستفيق البشرية على مرحلة جديدة تعود فيها الى منهجية انظمة التخطيط المركزي الذي يستهدف العام دون الخاص. حيث لا يجدر بها ان تتحمل تبعات اخفاقات الليبرالية الجديدة. وقد بدأت اجراس الانذار تقرع من هنا وهناك.