صمت يعلو على الضجيج 2

 

 صادفت يوم الخميس  الماضي – السابع والعشرين من رجب – ذكرى المبعث النبوي الشريف … وفي هذا اليوم المبارك ، وفي غيره من المناسبات يتوافد المسلمون الى النجف الاشرف لزيارة مرقد الامام علي إبن ابي طالب ( ع ) .. وعادة ما يتوجه الزائرون بعدها الى  زيارة الموتى في مقبرة وادي السلام التي تمتد على مساحة واسعة ، تضم مئات  الملايين من قبور درست ، وأخرى لا تزال قائمة ، منها لاربعة من الانبياء – آدم ونوح وهود وصالح – وأولياء وعلماء وصالحين وسياسيين ، وأخرين من طوائف وأديان وبلدان  متعددة …

وتعد وادي السلام من أقدم وأكبر المقابر في العالم ، ولذلك أدخلتها منظمة اليونسكو من ضمن التراث العالمي الانساني….

 ويلف الانسان صمت رهيب ، وهو يدخل المقبرة  .. صمت يعلو على ضجيج الحياة  والأصوات ، والرابح من يتعظ ويأخذ العبرة والدرس مما يشاهده وهو يرى أمامه نهاية من سبقه ، ومصيره هو أيضا  سيؤول اليها ، وهي النتيجة الحتمية  التي  قهر بها الله عز وجل عباده..

وتقطع هذا الصمت  تلاوات من القرآن والادعية وأصوات أجهزة التسجيل ، ومناداة الباعة على بضاعتهم ، وقد توزعوا على شوارعها ، يبيعون ماء الورد ، والبخور وقناني الماء والفواكه لتوزيعها على أرواح الموتى ، ومطاعم صغيرة ، وعربات للوجبات السريعة والشاي والمشروبات والعصائر، و(بسطيات )  لبيع مختلف الحاجات والهدايا ، وأصوات السيارات و(الستوتات)، وزحف الملايين التي توزعت على تلك الملايين   ..

 وتبدو المقبرة وكأنها عالم أخر مختلف عن عالمنا … ويظهر الاموات ، وكأنهم يمدون هؤلاء الاحياء باسباب الحياة ،  وينالون  أرزاقهم من بينهم.. وطقوس تظهر الانسان ،  غير ذاك الانسان الذي يهوى الدنيا ، وملذاتها واصابه الغرور بها ، وإعتاد على حب الحياة ، والاعيب السياسة ، والتجارة …!!

فهل رحلة بهذه  النهاية تستحق أن يغتر بها مغتر، أو يطمع بها طامع  ، أو  يطغى بها سلطان … ؟ وهل  هناك إنسان عاقل  لا يعرف أن حسابا ، ينتظره ويتوزع  بعده الخلق بين الجنان والنيران ، كل حسب عمله ، فيمنع نفسه عن الرذائل ويتعفف عن الصغائر، ويترفع عن هذا الحطام الزائل . .؟

نعم …صمت القبور يعلو على ضجيج الحياة .. درس عسى ان يتعظ به من غره الطمع ، واعماه  الجشع ، وحجب عنه  الدولار والدينار رؤية الحقيقة .. والسعيد من يأخذ من دنياه لآخرته ..

ملايين القبور في هذه المقبرة وغيرها .. لكن ياترى أين تلك التي سبقتها ، وتستعصي على العد والحصر..

السؤال نفسه سبق أن طرحه  الشاعر ابو العلا المعري ، ويوحي جوابه وكأن الارض مقبرة كبيرة .. وتلك هي الحقيقة …

  صاح هذي قبورنا تملا الرحب

 فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء ما أظن أديم الارض

إلا من هذه الاجساد

.. واللبيب من إعتبر..

{{{{{{{{{

كلام مفيد:

( ألا أن الدنيا بقاؤها قليل ، وعزيزها ذليل ، وشبابها يهرم وحيها يموت …فالمغرور من إغتر بها .. أين خدمهم وعبيدهم ..؟ أين جمعهم ومخزونهم ؟… ياساكن القبرغدا ما الذي غرك من الدنيا ) …..الخليفة  عمر بن عبد العزيز  .