غيم جو الأزمة الأجواء العراقية، فكانت الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس بجديد ان يغيم جو الأزمة الأجواء العراقية، غير ان الجديد في هذه الأزمة إنها جاءت في وضع امني حرج جدا والمتمثل بانشغال القوى الأمنية والقيادات السياسية بالحرب على داعش، والجديد أيضا هو دخول زعيم التيار الصدري (السيد مقتدى الصدر) بشكل مباشر وقيادة الجماهير المطالبة بالإصلاح، وقد مثلت عملية الانتقال من التظاهر السلمي إلى الاعتصام وعلى أبواب المنطقة الخضراء التي تظم بداخلها مؤسسات الدولة السيادية فضلا عن سفارات الدول الكبرى، تهديدا منقطع النظير لهذه المنطقة ومن فيها، وبالإضافة لذلك حملت هذه الأزمة معها لون جديد من الاحتقان والشد بين أبناء المذهب الواحد وما يمثلهم من قوى سياسية، فالخلافات السياسية الشيعية طالما كانت تناقش ويتم حلها في أروقة الغرف المغلقة، وليس في الشارع ومع الجماهير التي شكلت رقما مهما في هذه الأزمة. لقد مثل قرار المرجعية الدينية العليا في النجف والمتمثل بتعطيل جزئي لأحدى أدواتها والمتمثل بإعطاء النصح والإرشاد المباشر للعملية السياسية في خطبة الجمعة، ودخول التيار الصدري متمثلا بزعيمه (السيد مقتدى الصدر) لقيادة التظاهرات الشعبية، وعمل بعض القنوات الإعلامية على إبراز الخلاف بين زعيم دولة القانون السيد نور المالكي ورئيس الوزراء د. حيدر العبادي معطوفا على ما في داخل التحالف الوطني من انقسامات في الرؤى، ليدفع بالمجمل بهذه الأزمة إلى مستويات خطيرة ومرتفعة. ومع زيادة حدة الأزمة والمتمثل بمطلب الجماهير بالإصلاح والذي يمثل بدايته تغيير الكابينة الوزارية، بات البعض يدفع بها من الأزمة إلى النزاع ثم إلى الصراع ومن ثم إلى "الصرعات الصفرية"، حاصراً أطرافها في معسكرين اتضحت بعض صورها في تحريف خطابات زعماء المعسكرين. ونحن في هذا المقال لا نبتغي مناقشة الإصلاح او تحديد من يقف ضده، بقدر ما نسعى لحساب أرباح وخسائر الأطراف في وما بعد انتهاء الاعتصامات السلمية وقراءة في النتائج والتي يمكن أجمالها بالآتي: 1-ان العملية السياسية التي تشكلت بعد 2003 غير مقدسة وهي قابلة للنقد وقابلة للموت والحياة وان أطرافها ليست القوى السياسية والقوى الخارجية فقط، بل أضيف لها ركنا أخر هو الشعب. 2-ان وزن القوى السياسة الذي كان ميزان قياسه بالسابق هو حجم ما يمتلكه من مقاعد في مجلس النواب قد تغير وبات وزن القوى السياسية هو حجم ما تمتلكه من رصيد جماهيري في الشارع وحجم ما تمتلكه من تحالفات سياسية واجتماعية. 3-بات بالإمكان صناعة مشهد سياسي بالأغلبية او بالانفراد بعد ان كانت صناعته لا تتم إلا بالأجماع وتحديدا أجماع القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية. 4-ضعف المتغير الخارجي (الإقليمي والدولية) في ضبط إيقاع العملية السياسية بشكل مطلق. حساب الخسائر والأرباح: رغم ان الأزمة لم تنته حتى الأن غير ان المتابع يمكن ان يرى إنها أفرزت معطيات جديدة في مشهد العملية السياسية. وهنا يأتي السؤال من هو الرابح ومن هو الخاسر حتى الأن وهنا يمكن ان نقول ونفصل الاتي حساب الخسائر: 1-لم تكن القوى السياسية التي قدمت قادتها المخضرمين لقيادة مواقع في السلطة التنفيذية تمتلك رؤية استراتيجية بعيده ولم تكن تتصور ان تمر مثل هكذا أزمة تفضي إلى إحالة قادتها على التقاعد المبكر من المشهد السياسي الفعلي. 2-عجز التحالف الوطني في احتواء الأزمة وتقديم حلول حقيقة وفعالة، فبعد اجتماعات مرثونية في أكثر من محافظة عراقية، وتشكيل لجان مختلفة وتقديمه للمبادرات فشل في حل الأزمة واحتوائها. 3-عجز منصب الرئاسة والمتمثل برئيس الجمهورية في جمع الفرقاء ومسك زمام المبادرة وتقديم الحلول، فقد بات واضحا فشل الاجتماعات وعجز اللجان التي شكلت لحل الأزمة. 4-فك الارتباط بين الاستحقاق الانتخابي والذي يتمثل برصيد القوى السياسية في مجلس النواب وبين الاستحقاق الوزاري، وتبقى هذه النتيجة معلقة لحين تمرير الكابينة الوزارية كما هي في مجلس النواب. 5-تراجع نسبي في وزن القوى السياسية الأخرى غير الشيعية في تعطيل او تقرير صورة المشهد السياسي العراقي. حساب الأرباح: 1-تواجد التيار الصدري في أكثر من دائرة فاعلة فهو اليوم حجز موقعا متميزا في دائرة الجماهير والقوى الغير سياسية ودائرة العملية السياسية ودائرة التفاعلات الإقليمية. 2-بقاء حزب الدعوة الإسلامي في موقعة القيادي في قيادة العملية السياسية وفي التحالف الوطني وفي ائتلاف دولة القانون. 3-بروز ائتلاف دولة القانون والتيار الصدري كقطبين أساسيا في قيادة الشارع الشيعي وكلاعبين أساسيين مركزيين في العملية السياسية. 4-زيادة الوعي السياسي للمواطن العراقي والذي مكنه من تحقيق مكاسب سياسية بالطرق السلمية، وبقاء الشارع الشيعي منيعا من الاختراق الخارجي رغم الخلافات الداخلية، وزيادة الوعي والحكمة للقيادة السياسية بعدم الانجرار خلف تجار الحروب وعرابين اقتصادات الحروب. 5- فرصة كبيرة للتيار الصدري وائتلاف دولة القانون للتقارب اذا مررت الكابينة الوزارية لقيادة الإصلاح وتقاسم النفوذ في الشارع الشيعي والسيطرة على المشهد السياسي برمته، وبناء تحالف استراتيجي منيع مستقبلا يعمل على تحقيق الأغلبية "المريحة" في مجلس النواب، اذا ما استطاعوا القفز على الموروث التاريخي وشخصنة المواقف. النتيجة – قراءة فيما بعد انتهاء الاعتصامات السلمية: فشلت كل الرهانات على جر العراق لحرب داخلية وتحديدا شيعية – شيعية في مسعى لزيادة احتقان المنطقة بعد بدء حلحلت ملفاتها الإقليمية نسبيا، غير ان الخطر ما يزال قائما وهو ما يتطلب من الكتل السياسية تغليب المصلحة العامة والنظر إلى أن الجميع في قارب واحد فلا يسلم احد من الغرق، كما ان على القوى السياسية الشيعية التعامل مع التيار الصدري بوزنه الجديد والعمل على التقارب معه وتحويل هذه الإنجاز إلى نصر يفخر به الجميع، فالقواسم المشتركة كثيرة وخصوصا ضمن البيت الشيعي، فالتيار الصدري ليس منافسا لاحد على جمهوره، ويؤمن بوحدة العراق، وهذا اهم ما يدفع القوى الأخرى للدخول معه في تحالف لقيادة البلد في المرحلة القادمة. ولذلك على كل القوى إعادة قراءة المشهد من جديد في ظل المعطيات الجديدة وتقييم وزنها ووزن الأخرين في الشارع والمشهد السياسي، وللحديث بقية بعد دخول المتظاهرين للمنطقة الخضراء.
|