الإنتحار أو الموت اختيارا أو طواعية , أو ربما الإستسلام الفعّال لإرادة الموت الناشطة في الأعماق البشرية. هذا السلوك قد يكون فرديا أو جماعيا , وتشترك فيه جميع المخلوقات بلا إستثناء , لكنه يتجسد بوضوح في السلوك البشري , حيث يقضي على نفسه أكثر من مليون شخص كل عام في هذا العالم الصاخب. وبما أنه سلوك متكرر ولا يمكن التصدي له بنجاح , فأنه يشمل جميع أوجه النشاطات البشرية , ومنها السياسية والثقافية والفكرية والإقتصادية وغيرها الكثير. وعندما يتعلق الأمر بالسلوك السياسي , فأن المجتمعات قد تتخذ نهجا إنتحاريا , تؤكد بواسطته إرادتها في قتل النفس وترويع ذاتها , ولهذا تدخل المجتمعات في صراعات دامية عنيفة تقتل فيها من أبنائها عشرات الآلاف دون مبررات موضوعية , وإنما وفقا لآليات التفاعل العدواني الفتاك. وأي نظام أو منهج سياسي قد يتحول إلى تفاعل إنتحاري مدمر للمجتمع والوطن , والديمقراطية نظام سياسي هدفه أن يعبّر الناس عن إرادتهم وطاقاتهم ويعيشون بأمان وسلام وعطاء خلاق. وهذا المنهج يتحول إلى سلوك إنتحاري في بعض المجتمعات , عندما يتم إستثماره لإثارة النزعات الفئوية والتدميرية العدوانية , وتأجيج الإنفعالات السلبية المهلكة لكل الموجودات القلئمة في الحياة. وقد شهدنا ممارسات الإنتحار الديمقراطي في بعض البلدان , التي انتقلت أو أرادت أن تنتقل إلى نظام ديمقراطي معاصر , فرأينا كيف أن الديمقراطية تحولت إلى ميدان للإقتسام والمبارزات والصراعات الدامية المعبّرة عن السلوك الإنتحاري , حيث أن الفئات أخذت تقتل بعضها , وفي معنى سلوكها أنها تقتل نفسها وتقضي على وطنها , لأنها في كل ما تقوم به , إنما تعبّر عن عدوانية على الذات والموضوع , فيكون المجتمع ضحية والوطن والفئة نفسها. ووفقا لذلك فأن الديمقراطية ربما قد أوجدت مناهج إنتحارية مرعبة في بعض البلدان , ولازلنا نشهد التفاعلات المروعة , التي تقضي على العديد من الناس كل يوم , وفقا للمنطوق الديمقراطي الذي تحول إلى منهج خسران. فبدلا من أن تكون الديمقراطية طريقا للبناء والمحبة والأخوة الوطنية , صارت سبيلا واضحا للخراب والعدوان والكراهية وتصفية الحسابات , وزيادة حدة النقمة وتنمية الإنفعالات البغيضة الهادفة إلى سفك الدماء, وتدمير البناء وإدخال المجتمع في دوامة الهلاك المبين. فهل نعي خطورة السلوك الإنتحاري الديمقراطي , الذي أخذ يتجسد في بعض المجتمعات , ويعطي أكله للذين أصبحوا أسعد من السعداء لإكتفائهم بغيرهم. وهل من إنتباهة , فالديمقراطية وفقا لمناهج توظيفها قد تتحول إلى سلوك إنتحاري مدمر للبلاد والعباد. فاستيقظوا يا عرب!!
|