لو كنت طبيبا بيطريا ؟

في كل دول العالم المتقدم والمتخلف على حد سواء تحضى مهنة الطب البيطري بمكانة مرموقة كونها مهنة  متشعبة في خدمة الانسانية والمجتمع . ولو شاءت الاقدار لك ان تقبل طالبا في احدى كليات الطب البيطري الاحد عشر المنتشرة في العراق  رغم ان هذا العدد الكبير من الكليات لامبرر له على الاطلاق بل هو ناتج عن عشوائية في التعليم العالي ودون تخطيط علمي مما تسبب بتدني القبول في هذه الكليات الى معدلات كارثية تسبب فيما بعد بهبوط مستوى التعليم فيها وكونها لاتمتلك الحد الادنى من امكانيات اي كلية طب بيطرى حتى ولو كانت في الصومال ؟؟خصوصا اذا علمنا ان بريطانيا العظمى لايوجد فيها سوى اربع كليات طب بيطرى فقط ؟؟؟ .المهم قدر لك معدلك في السادس العلمي ان تدخل اي كلية طب بيطري في العراق فأنك ومن اول يوم في المرحلة الاولى حتى تخرجك لن تجد غير بقرتين عقيمتين تعانيان فقر الدم المزمن والذبحة الصدرية وفقدان الشهية , وتجد حصان اعرج بعين واحدة مقطوع الذيل اثول , وكم دجاجة مصابات بكأبة  مزمنة لفقدان ديكهم الهمام المـأكول ظلما وعدوانا ؟ , وبذا لن تتعلم شيئا كثيرا عن عالم الحيوانات وامراضها وسلوكها بسبب قلة وندرة اعدادها المتوفرة في حقل الكلية  وحينما تصبح طالبا في الصف الثالث ستصاب انت بالكأبة لانك ستصدم بخبر سئ في  احدى الصباحات وانت  تتوجه الى الحقل بان البقرتين قد نفقتا ليلا بسبب ضعف الرعاية وسوء التغذية  وأن الحصان الوحيد قد طلعت عليه الشمس  وقد شنق نفسه في حضيرته احتجاجا على سوء المعاملة والكبت النفسي الناجم عن الوسواس القهري المصحوب بشحنات عاطفية سلبية؟؟؟.المهم تنتهي ايامك في الكلية بعد ان تكون اكملت خمس سنوات من عمرك  مع مكابدات  ومعاناة بحثا عن نصف حيوان مريض  مع اطنان من المحاضرات النظرية التى تبقى حبرا على ورق لافتقادك التطبيق العملي المهم  الذي يصنع منك خبيرا في مجالك , وستجد اربع او خمس تدريسيين فقط يغطون كل مواد ومناهج الكلية بحيث تصبح مدمنا على رؤيتهم كل يوم كون الكلية  لا تملك القدرة على تعيين مدرسيين كافيين فتحس انك في مدرسة ابتدائية ؟ فلا كادر يكفي ولا بنايات مناسبة ولا امكانات تعليم مناسبة ؟؟.  وليس مهما تلك السنوات الضائعة من عمرك المهم القادم من عمرك ؟؟ حيت ستصطدم ان لا تعيين مركزي ينتظرك لتحس بثمار تعبك , ولا تدرج طبي تسلكه للوصول الى الخبرة المطلوبة , بل ستتفاجأ ان نقابتك  ليس لها اي دور يذكر سوى انها تعطيك تسلسلا في هوية يحمل شعارها مقابل 35 الف دينار كل سنة دون ان تفكر في مستقبلك او تطالب لك ولو ببطل زيت اضافي في الحصة التموينية البائسة ؟؟.ثم تتوالى الصدمات في حياتك  , حين  تراجع كليتك لتطلب منها وثيقة تخرج فيكون الجواب كالصاعقة التي تحل على راسك ان لاوثيقة الا بعد ان تكمل الاقامة ؟ وهي سنة تدرج طبي في احدى المستوصفات البيطرية المنتشرة في البلد  وحينها لا حل لديك سوى المباشرة بالاقامة وهنا تبدأ رحلة بحثك عن تلك المستوصفات البيطريه  وتبدأ صدمتك الثانية حين تجد ان اى مستوصف بيطري يجب ان يكون في منطقة بعيدة ومخيفة وبالقرب منه مقبرة من اليمين ومركز نفايات ثقيلة من اليسار؟؟ , وتتفاجأ اكثر ان راتبك في الاقامة مبلغا مهيلا وهو مائتا الف دينار ؟, تضطر ان تتداين معها نفس المبلغ لتكفيك فقط اجور نقل للوصول الى مستوصفك المشيد قبل نصف قرن . وحينما تعلم ان وزارة الزراعة هي المسؤولة عن قطاع الصحة البيطرية ستصاب بالغثيان اكثر فأكثر ؟ حيث يجب ان تتبع البيطرة وزارة الزراعة , في ربط غريب عجيب ؟ حيث ان هذا القطاع مرتبط مباشرة بصحة الانسان وابلغ دليل ان الامراض الخطيرة الحالية معظمها يبدا من الحيوان ليصيب الانسان  , فكان من الاجدى لتطوير المهنة فصلها عن الزراعة واعطائها المساحة الكافية التى تناسب حجمها وافاق تطورها.ولو فكرت يوما بعد ان اصابك الاحباط  ان تعمل بعقد مع احدى حدائق الحيوان فقد تجد نفسك يوما طعاما للاسود او النمور بسبب الجوع الذي تعانيه تلك الحيوانات بسبب التقشف وقلة الموارد والفساد الاداري والسرقات التى طالت حتى طعام الحيوانات في بلد صار الفساد والحرام شعاره الاول؟؟. وعندما تعلم ان البلدان المتقدمة صارت تحسب حسابات دقيقة في هذا القطاع المهم , ففي  بريطانيا حينما يتأخر الحمل في ابقار بريطانيا يوما واحدا فانها تخسر خمس مليارات دولار في السنة ؟ فما بالك ونحن نخسر حياة الاف البشر ومستقبلهم دون ان نفكر لحظة وحدة بقيمة تلك الخسارة ؟؟ بلد يحترم ويسهر على راحة ابقاره وبلد يقتل ابناءه بدم بارد ؟؟ فأنت حينما لاتجد وظيفة تمارس من خلالها تخصصك الذي سهرت الليالي من اجله فأنك مقتول حتما ؟؟