ألقى الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة بالعراق السيد/ يان كوبيش خطاباً امام جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة 6 ايار/ مايو (S/2016/396) عملا بالفقرة 7 من القرار 2233 (2015) ، تميز بأهمية كبيرة نظراً لما ورد فيه من توجهات ومسارات جديدة ولصراحته في انتقاد النظام السياسي الحالي في العراق مباشرة ولأول مرة منذ عام 2013 ويصف السلطات العراقية وسياساتها بالفشل والضعف وعدم الاهتمام بفرض الأمن وبناء البلاد وانتهاج وتعميم مبدأ المحاصصة . كما انتقد كوبيش إخفاق حكومة العراق والطبقة السياسية في التوصل إلى اتفاق وتنفيذ الإصلاحات التي من شأنها تحسين إدارة الحكم والمساءلة وتحقيق العدالة للجميع على قدم المساواة، وتوفير الوظائف والخدمات وقطع دابر الفساد، كما يطالب بذلك الشعب العراقي، ولا سيما في بغداد والمحافظات الجنوبية الشيعية منذ آب/أغسطس الماضي، مما دفع المتظاهرين إلى طلب إصلاح الحكومة بأسرها وكذلك العملية السياسية برمتها ، والمطالبة بالتخلي عن نهج الحصص العرقية والطائفية التي ما برحت مترسخة في النظام السياسي العراقي منذ عام 2003. لا بل زاد السيد كوبيش في إنتقاد صريح للساسة العراقيين وكتلهم عندما قال إن الأغلبية من الكتل السياسية العراقية ترفض إصلاحا جذريا للعملية السياسية معتبراً التظاهرات الاخيرة تمثل جهود ترمي إلى نزع الشرعية ليس عن الحكومة أو مجلس النواب فحسب، بل أيضا عن النظام السياسي برمته. هذه اللهجة عندما تصدر عن هذه الشخصية المهمة التي تمثل الامم المتحدة في العراق يجب الوقوف عندها ملياً ، فهذا الشخص لا ينطق عن الهوى ، فهو يأتمر بأوامر المنظمة الدولية التي كما يعلم الجميع لا تتحرك خطوة الى الامام إلا بتوجيه من النظام العالمي الذي ترعاه الولايات المتحدة سيدة العالم في هذه الحقبة من التاريخ. الجميع لا يختلف في ان المنظمة الدولية كانت تدعم بشكل مستمر النظام السياسي في العراق منذ تبوءه السلطة عام 2003 بل انها كانت تداري سوءاته وأخطائه الفادحة وفساده وتوغله في الطائفية وغيرها من المساويء ، فما الذي غير خطابها ولهجتها التي بدت شديدة الانتقاد للكتل السياسية وشخصياتها؟ لن ادخل في تفاصيل هذا الخطاب بالغ الأهمية وما جاء في خطاب ممثل الأمين العام يمكن متابعته على موقع اليونامي ببغداد على الرابط : http://www.uniraq.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=5617:6-2016&Itemid=559&lang=ar ومن جانب آخر فإن الحديث عن استعداد العاصمة الفرنسية باريس لاحتضان اجتماع لقوى وشخصيات عراقية رافضة للعملية السياسية لإعلان تشكيل جبهة وطنية معارضة واسعة التمثيل وعابرة للطائفية والعرقية من اجل تأسيس أول كيان عراقي معارض من خارج العملية السياسية، يحظى بقبول ودعم دولي وإقليمي وتفهم من بعض الأطراف الداخلية ، والإعلان عن حضور ممثل للأمم المتحدة وممثلين عن دول عربية وأجنبية كبرى يعطي اكثر من إشارة الى ماهية توجهات النظام العالمي والدول الكبرى للتغيير الجديد المرتقب في النظام السياسي في العراق ما بعد 2003. وهو ما يؤكده رفض السلطات الفرنسية طلب عراقي من خلال ارسال شخصية رفيعة للتدخل حول منع إقامة المؤتمر على أراضيها ، وتذرعت فرنسا قبولها ودعمها اقامة هذا المؤتمر على أراضيها بأنه يرجع الى انها احتضنت مؤتمرات مماثلة للمعارضة العراقية في زمن النظام السابق ، وهو يدخل ضمن مبادئها الحريصة على اتباعها والمتمثلة بالحرية وتحقيق العدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها . ذلك أن الجهات التي تروم المشاركة في المؤتمر التي يتوقع ان يكون عدد شخصياتها بحدود 300 شخصية يُزعم هو فرض الطابع المدني للعراق و إعادته الى عمقه العربي ورفض المحاصصة الطائفية والإرهاب كما يدعي منظمو المؤتمر محاولة إيجاد صيغة مناسبة لخروج البلاد من أزمتها الخانقة التي وصلت الى عنق الزجاجة في الوقت الحالي. ما يمكن استخلاصه من الامرين اعلاه هو ان الولايات المتحدة ربما ستعمل على إنشاء مسار جديد تتبناه وتدعمه تحت مظلة الامم المتحدة التي غالبا ما تكلف بهذه المهام في معظم دول العالم وخطاب ممثلها في العراق لا يحتاج الى تفسيرات او تحليلات إضافية . وما يؤكد ذلك هو توجهات الامم المتحدة المعلن عنها مؤخراً بشأن مشاركتها في مؤتمر باريس آنف الذكر. احدى عبارات ممثل الأمين العام كوبيش في خطابه الاخير توضح توجهات التغيير وانتهاء صلاحية النظام السياسي الحالي عندما قال ان اتباع السياسيين العراقيين النهج القائل بأن الأمور تسير كالمعتاد لن يكون كافيا للشعب ، فالشعب يريد تغييراً حقيقيا يحسن من ظروف حياته. و عندما جاء كوبيش ليدعو المجتمع الدولي لدعم العراق وخاصة إشارته الى ان سوء الحكم والفساد هما من اوصلا العراق الى هذا التدهور ، ذكر بزيارة الأمين العام إلى العراق في 26 آذار/مارس التي رافقه فيها السيد جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، والسيد أحمد محمد علي المدني، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، بأنها تمثل خطوة جدية من المجتمع الدولي على دعمه للعراق مستدركاً بأن المجتمع الدولي مستعد لتقديم مزيد من الدعم، ولكن يجب على العراقيين أنفسهم أن ينفذوا الإصلاحات الكفيلة بوضع بلدهم على طريق التعافي. عودة الى موضوع استضافة فرنسا لمؤتمر معارض فهو ايضا لا يخفى على احد ان فرنسا تتناغم في سياستها الخارجية مع النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وان خطوتها هذه هي بلا شك مدعومة من قبل الاخيرة التي تتزامن مع ما ورد في خطاب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق ، ففرنسا شريكة أساسية في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا ، وهي تطمع في تعويض ما فاتها بسبب عدم مشاركتها في التحالف الدولي الذي قاد الحرب ضد العراق عام 2003. لاسيما وان الحديث لايزال مستمر عن اعادة ترسيم المنطقة من جديد بديلا عن معاهدة سايكس بيكو التي بلغت أرذل العمر 100 سنة وهي آيلة للدفن بعد الاحتضار الذي دخلته منذ عام 2011 مع بدء الحرب في سوريا وتواصلت بعد سقوط مدن عراقية كبيرة في منتصف 2014. فضلا عن الدعم الفرنسي للأكراد في الحصول على استقلال اقليم كردستان منذ عقود خلت. ما نروم الوصول اليه هو هل ان هذه الخطابات والتوجهات والخطوات الجديدة ترمي الى احداث تغيير شامل في بنية النظام السياسي الحالي في العراق الذي لم يبلغ سن الرشد حتى ارتكب فظائع في الفساد والسرقات وفقدان الأمن والمحسوبية وتدمير البنى التحتية واهمال الخدمات وغيرها ، ناهيك عن سقوط مدن وتهجير ملايين من النازحين حتى بات البلد على وشك انهيار شامل او انفجار كبير لا تستطيع الدول الكبرى ولا الإقليمية معالجته وقد يرمي بالشرر عليها جميعاً بعد ان اصبح الصراع بين الكتل والقوى السياسية ولاسيما التحالف الوطني اكبر التحالفات في العراق في الوقت الحالي هو مادعاها الى التوجه بشأن إحداث هذا التغيير الشامل المرتقب؟
|