لا يستقيم الدين إلاّ بالعمل الصالح

 

ان قراءة ما حل بالعراق فيما بين السطور يكمن في التلاعب بالمفاهيم والمبادئ والمعتقدات التي انحرفت على أيدي البعض من أصحاب المصالح الشخصية الذين تبرقعوا بأغطية الوطنية والقومية والعشائرية والدين .. على خلاف الواقع الذي يعيشه البلد وصرخات الاستغاثة التي يطلقها الناس في وجه رموز السلطة الذين اختلفت مسمّياتهم وتعددت انتماءاتهم وتنوعت مشاربهم ولكن توحدت مآدبهم في خدمة مصالحهم الشخصية والاثراء وترك البلد يطفو على برك المياه الآسنة وأكوام النفايات المتناثرة والأرصفة التي يفترشها العاطلون عن العمل وجيش الشباب من الباعة المتجولين الذين ينتشرون في الشوارع بوجوههم السمر وسواعدهم القوية التي سوف تحتضنهم الصناعة والمعامل الانتاجية يوماً عندما تزول غمّة الشر وتشرق شمس العراق التي حجبتها النفوس الشريرة والوجوه الكالحة ليرتفع البناء وتنتشر الجنائن الغنّاء ويتنفس الناس الصعداء ويعود العراق عراق الشهامة والنقاء بلا دجلٍ وكذب ونفاق ورياء .

            واليوم ونحن نعيش مرحلة حرجة من عمر العراق تربعت فيها على كراسي السلطة أحزاب وجماعات وكتل ومنظمات لم تكن معروفة عند العراقيين وجميعها بمختلف طوائفها تدّعي التمسك بالقيم الدينية والتحلّي بالايمان ، متناسين بأن الايمان لا يعني شيئاً من دون العمل الصالح ، فالكل مؤمنون بوحدانية الخالق ( سبحانه ) ومنهم اللص والمجرم والعابث والماجن ، فهل يكفي هذا الايمان في تزكية النفوس ، وهل يستقيم الايمان مع الدين بدون ان يقترن بالعمل الصالح الذي يحقق الأمن والعدالة والاستقرار والصدق والصدقة والنزاهة والتسامح وتزكية المال والكرم ومد يد العون للفقير واليتيم والأرملة وفك كربة المحتاج ونصرة المظلوم والوقوف مع الحق والاخلاص في العمل والولاء للوطن والشفقة بالكبير والصغير وصيانة أموال الآخرين .. وكل الصفات الأخرى التي تنطلق من إشراقات العمل الصالح ، وكيف يكون شكل معطيات الدين إن لم تصب في كوثر العمل الصالح ولا يحصد المجتمع إلا الخراب والكوارث والقتل والفقر والحرمان والاذلال والبطالة وسرقة المال العام وتفشي الرشوة والفساد والاثراء غير المشروع ونشر الفتنة…

وهنا لابد من تذكير أدعياء الايمان بوقفة عند كلام الخالق ( سبحانه ) في كل آيات القرآن الكريم أينما تجيء في صوره المباركة ليجدوا بأن الكلام الموجه الى المؤمنين لا يأتي مجرداً ومنقطعاً عن العمل الصالح بل يأتي مكمّلاً ومتواصلاً معه ( يا أيها الذينَ آمنوا وعملوا الصالحات ) ، فكيف يتقبل الله ( سبحانه ) الايمان من أولياء الأمور في بلدٍ استشرى فيه الظلم والقسوة والفساد وضياع الحقوق والدوّامة والفواجع التي قطعت الحبل السري الذي يربط الانسان بوطنه لترفع الهجرة أطنابها التي لو تيسرت ظروفها للجميع لخلت الأرض وبكت على ذكرى ابناءها المشردين في الشتات ، الذين لم يعد الوطن يسمع شكواهم ولا يحس بظلامتهم ويبقى لأدعياء الدين والأيمان الغافلين عن العمل الصالح الذي يفرضه عليهم الجلوس على كرسي المسؤولية من الذين ركبوا الموجة للمشاركة في مسرحية التسعة آلاف وخمسمائة مرشح لمجلس النوّام حين أصبح الجميع سياسيون بقدرة قادر ، ولو كان هذا الحماس في الوصول الى قبة البرلمان بدافع الوطنية الحقّة وخدمة الشعب ( والعمل الصالح ) لكان الشعب العراقي اليوم متفوقاً على سويسرا والنمسا واليابان، وليس الأخير في قائمة التخلف .