غياب القدوة الحسنة |
تفتخر الشعوب برموزها على مدى التأريخ بما سجّلوه من مآثر ومواقف خالدة وبطولات لا تنسى بما حققوه خلال حياتهم والقيم التي أرسوها لأجيالهم القادمة سواء كان ذلك في خدمة أوطانهم والتضحية من أجلها وتوحيد شعوبهم أم ما حققوه من أجل رفاهيتهم وسعادتهم ورفع الظلم عنهم وإطلاق حريتهم ، وبهذا يكونوا قدوة لشعوبهم التي تستمد من ذكراهم العطرة وتفكيرهم الانساني وسمو أخلاقهم قيَماً تترسخ في ضمير ووجدان شعوبهم يباهون فيها أمام العالم ويستذكرونها في أوقات الرخاء والشدّة ويجعلون من تعاليمهم دروساً لأجيالهم القادمة ، وتتجلى مآثر العظماء ورواد الفكر والقيم الانسانية الذين سجّلوا بصماتهم في سِفر التأريخ بانتشار أفكارهم والمبادئ الانسانية التي حملوها الى العالم كله وأصبحوا أعلاماً لا يقتصر ذكرهم عند شعوبهم وحسب ، بل أصبحوا رمزاً خالداً للبشرية جمعاء .. ولم تخلو بقعة من بقاع العالم أو بلداً من البلدان من ظهور هذه الرموز الخالدة التي تطرز مسيرة التأريخ وتخفف من آلام البشرية وتبعث الأمل في الشعوب بولادات جديدة لرموز الخير والانسانية التي تعيد أمجاد القيم وتزرع الثقة في نفوس الناس الذين يسيطر عليهم اليأس وينظرون الى المستقبل بمنظار أسود .
وتواجه البشرية اليوم في غالبية بقاع الأرض موجة من أعاصير الشر والهمجية والتي لم تقتصر على السلطات الغاشمة والحكام الساديين والتافهين الذين تسيّدوا على الناس ، بل امتدت الى انطلاق الثعابين والعقارب والذئاب من المخلوقات التي تسمى بشراً لتحرق الأخضر واليابس وتَلِغُ الدماء كالوحوش وتدمر التأريخ والحاضر ومستقبل الأجيال القادمة شأنهم شأن الوحوش الحديدية التي يرد ذكرهم في قصص الخيال العلمي التي تخلو أجسامهم من العقل والقلب ولا يبقى لهم إلا القتل والتدمير ، وفوق كل ذلك تجدهم يوزعون الارهاب في كل مكان وبإسم الدين .
ومع كل قسوة الحياة فيما تبقى للمجتمعات المتخلفة ، والدمار الذي أصابها والانحدار والتراجع نحو عمق الأزمات المتلاحقة ، يختفي بصيص الأمل في وجود أو ظهور القدوة الحسنة التي يتطلع المجتمع اليها وسط الظلام الذي يلف كل جوانب الحياة ، ويخيم اليأس والذهول على الناس ، ويصبح الترقب والانتظار للقدوة الحسنة حلماً لا يتحقق . |