القنفة صدمة غيرت مسار الحراك الشعبي

 

استخدم الطب النفسي العلاج بالصدمة الكهربائية، كأحد انواع العلاج غير الدوائي لبعض الامراض النفسية وخاصة مرض الكأبة، وحالات اخرى تسمى التشمع والتي يفقد فيها المريض القدرة على الحركة لاسباب نفسية.

ومنهج الصدمة هو عملية افراغ واعادة برمجة دماغ الشخص المصاب، وليكون من الممكن لاحقا قبول الدماغ لاية اضافة جديدة.

 ومن هذا المنطلق عملت القوى الرأسمالية على استخدام هذا المنهج في رسم السياسات الاقتصادية والترويج لما يسميه الاقتصاديون (علاج الصدمة الاقتصادية) لتغيير النظم الاقتصادية في البلدان المستهدفة والسيطرة على اقتصادياتها.

ويعتبر كتاب الصحفية الكندية (نعومي كلاين) عقيدة الصدمة “صعود رأسمالية الكوارث” من المراجع المهمة المناهضة للسوق الحرة الراديكالية، اذ تقول كلاين في كتابها “ان عقيدة الصدمة هي فلسفة القوة، انها فلسفة حول كيفية تحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية، وان افضل طريقة وافضل وقت لترويج افكار السوق الحرة تكون بعد حدوث صدمة رئيسية مثل ازمة اقتصادية، كارثة طبيعية، هجوم ارهابي واسع او حروب شاملة، لكن الفكرة لا تكمن في هذه الكوارث وهذه الصدمات بحد ذاتها، بل باستغلالها حتى تلين صلب كامل المجتمع او المجتمعات وتشويشها”.

ومما لا شك فيه ان منهجية عقيدة الصدمة طبقت على الشعب العراقي سابقا وحاليا، وبشكل واضح بعد عام (2003) وما تعرض له شعبنا من صدمات سواء كانت بفعل قوى خارجية او داخلية، اقتصادية كانت او سياسية افقدته حقوقه الشرعية والتي كفلها الدستور والقوانين والاعراف الدولية، وقد تظاهر الالاف من المواطنين مطالبين بانهاء المحاصصة ومحاربة الفساد وتقديم المفسدين لقضاء عادل.

وخوفا من هذا الحراك من قبل المتنفذين الذين يعتاشون على الطائفية والمحاصصة السياسية، ان تهتز عروشهم وتسقط، عملت الطبقة السياسية الحاكمة في  البحث عن مخرج لهذا المأزق، فما كان منها الا احداث صدمة لتغيير وجهة ومسار هذا الحراك، وتحول المطلب الاساسي للمحتجين في انهاء المحاصصة ومحاربة الفساد والمفسدين، الى الدعوة لحكومة التكنوقراط من قبل بعض  الجهات، وبهذا فأن الطبقة السياسية المفسدة تنفست الصعداء في تحول الخطاب والمطلب الجماهيري الذي تناغم مع الصدمة التي احدثت له، وكأن مفتاح الحل يكمن في حكومة التكنوقراط.

ورغم هذا التحول في المطالب وانتظار الجماهير الغاضبة امام المنطقة الخضراء للتصويت على حكومة الصدمة (التكنوقراط)، قد جوبه باستخفاف اعضاء مجلس النواب بالشعب الغاضب وانهاء الجلسة وتأجيلها لعشرة ايام، كانت دلالة واضحة على انتفاضة المتظاهرين ودخولهم المنطقة الخضراء، وتحديدا قاعة مجلس النواب، معبرين عن احتجاجهم لهذا المجلس، وهاهم يقعون في فخ التغيير مرة اخرى، فما كان من القوى السياسية المتنفذة الا ان تلم شملها مرة اخرى، لتتدارك هذه التداعيات الخطيرة المهددة لنفوذهم في البحث عن صدمة سياسية اخرى تشغل الرأي العام المحلي والعالمي وتغير وجهتهم مرة اخرى وتنقذهم.

 فما كان من مشهد (القنفة) الملطخة بدم او غير ذلك والموجودة داخل مجلس النواب الذي اقتحمه المتظاهرون، والتي تفقدها رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء، لتصبح هي الصدمة الجديدة، حولت جموع المتظاهرين الى مخربين انتهكوا هيبة الدولة، وقد ساعدت في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، رغم سخريتها من (القنفة)، وها هم الان لا يعقدون اي جلسة الا اذا تم تقييم الاضرار ومحاسبة من قام بهذا الضرر من المحتجين، وهم بذلك حولوا السيل الهادر والمطالب بتغييرهم الى مخربين وفوضويين.

والسؤال هو هل يستمر العلاج بالصدمات لشعب عانى طويلا بسبب الانظمة المستبدة التي حكمته؟ الجواب لا لان هناك اناساً وطنيين واعين لايحتاجون هذا العلاج ولهم القدرة على الاستمرار في التظاهرات السلمية واصلاح النظام، وإزاحة الطائفيين والمفسدين من عروشهم.