سبارتكوس الروماني وناصر حكيم الشطري

أتابع يوميا المسلسل التاريخي الشهير ( سبارتكوس ) على القناة البولونية TV.PLUS  ومن بطولة Andy Whitfield. ولأن سبارتكوس لم يكن غريبا عن ذاكرتي منذ وعينا السينمائي الاول في طفولتنا القديمة عندما كنا نلم لحظة الشوق ونجمع مصروفنا لمشاهدة هذا الفيلم الذي جسد فيه الممثل الاسطوري كريك دوغلاس شخصية سبارتكوس عام 1960.ومنذ تلك اللحظة رسمت احلام الثائر الروماني لنا طرقات وعي للبحث عن الحرية وفهم لماذا يثور البشر في مواجهة الظلم والجوع والعبودية.
المسلسل الجديد والذي اشتهر عالمياَ تم اشتغاله بتقنية تصويرية عالية وأداء مميز لأغلب الممثلين حيث اختلفت طريقة المعالجة عن ذلك الاداء الكلاسيكي والتاريخي الذي شهدناه مع كيرك دوكلاس ليتحول الان الى اتساع مساحة التشويق والغور في كامل الحياة الرومانية في جانبها الملوكي والاباحي وخفايا واسرار مجلس الشيوخ وقيصر ، وما كانت تفعله روما من اجل الهاء شعبها ودفعه الى وهم الحروب الابدية من خلال حلبات المصارعة بين المصارعين الذين يكون اغلبهم من اقوياء الرق الذين تم شرائهم من مدن تحت السيطرة الرومانية.
لكن المفاجأة في هذه المسلسل تكمن في شيء غريب انتبهت له بالصدفة اثناء سماعي لتلايتل مقدمة المسلسل وموسيقاه التصويرية ، وهو ما اذهلني ان واحدة من اغاني المطرب العراقي ناصر حكيم ( مواليد مدينة الشطرة 1910 ) من خلال موال شطراوي كان يغنيه دائما في المقهى الذي يمتلكه في منطقة علاوي الحلة قد ادخلت ضمن تايتل المقدمة لمسلسل سبارتكوس ، فيشعركَ هذا الموال بحنوٍ عجيب داخل روح المسلسل وموضوعته وموسيقاه ، فالبرغم من الثواني الست التي يستغرقها الموال داخل تايتل المسلسل إلا أنكَ تشعر بدفء غريب وذهول في سر اختيار المخرج لهذه الجزيئة المذهلة من البوح الجنوبي وبحته التي تجلب لك حزن المعدان وعطر القصب ونحيب زوارق الأهوار وكأنه المخرج يعرف تماما علاقة الوجدان والروح بين ثورة سبارتكوس وأؤلئك الذين تشدوا اليهم حنجرة ناصر حكيم في اداء لوعته الشطرية والحياوية والمجراوية.
دائما وانا انصت جيدا لذلك الموال في مقدمة مسلسل مشهور عالميا وتعرضه الكثير من القنوات في العالم من الصين الى داهومي في افريقيا ، أتساءل أين وجد المخرج هذا الصوت .وهل يعرفه قبل ذلك ؟ وحتما حين ادخله داخل المقدمة الموسيقية والتايتل هو يعرف تماما طبيعة هذا الصوت وهاجسه وربما اراد من جمال الصوت وايقاع الحزن المدهش فيه أن يرينا رغبته في اظهار عالمية الثورة وتوحد هويتها في كل امكنة العالم ، وربما هو على معرفة تامة ان مناطق الاهوار كانت واحدة من بؤر الثورات وامكنتها المثالية منذ ازمنة القرامطة والزنج وحتى اليوم ، وتلك المشابهات الروحية يجسدها الغناء بموسيقى هذا الشجن الذي ادخلهُ مصمم المقدمة للمسلسل سبارتكوس.
أشعر بالسعادة كل مرة وأنا اصغي الى صوت ناصر حكيم ، أذوب في مشقة غرامي للمكان الذي كنت اعيش فيه حيث تعينت لاول مرة معلما في الامكنة التي كانت تصنع سحر العشق ومضاجعة ذكر البط لأنثاه ، تلك القرى التي تحمل احلام طوابير من ( سابرتكوسات ) الثورة في وجه العزلة والتهميش والعنصرية والامية والمرض والعزل.
أمكنة الرؤية والمدى المفتوح على الماء والقصب ودموع الشهداء من ضحايا حروب معارك الاهوار بين العراق وايران . أو تلك التي سكنت رمال حفر الباطن والمطلاع بسبب رعونة المهيب ونزواته وعشقه لأفتراس جيرانه ، كلهم يمرون عبر الشريط التلفازي لمسلسل سبارتكوس ، يبتسمون مع أسئلة محارق الحروب وحلبات صراعتها ، وعلى صدى الأمل والطور الشطري يتمنون لنا الأمان والسلام والأممية.!