الخير للغير والزبل عالخانچي

هناك بديهية يدركها خبراء الأدلة الجنائية يعدونها الخطوة الأولى في التحقيق الأولي لجرائم القتل، هي أن أهم خيط ودليل يساعدهم على حل الغموض المحيط بملابسات الجريمة والمحيق بأحداثها هو الضحية نفسها. لذا نرى -في الأفلام البوليسية وفي الواقع- أن أول شيء يفعله الخبير حال وصوله محل الجريمة هو (GENERAL OUT LOOK)
أي (نظرة خارجية عامة) فيتفحص -أول مايتفحص- المجنى عليه وهيئة جثته ومكان وجودها وما الى ذلك من إجراءات هو أدرى بها من كاتب هذي السطور حتما. ومن يتتبع أخبار الساحة العراقية ولاسيما السياسية منها يتجلى له بوضوح الشد والجذب والخلافات والمناكفات وماراثونات المصالح الفردية، وحب الذات من قبل الكتل والقوائم والسياسيين من الذين مافتئوا يكيلون المواقف والقرارات بعشرين مكيالا تميل جميع كفاتها لنفعهم الشخصي اوالحزبي او الفئوي، اوالذين يقدمون الخدمات تلو الخدمات بكل انصياع وطاعة لأسيادهم خلف الحدود، وهم بسلوكهم هذا المسلك إنما يجرمون بحق الشعب، الذي أمنهم على حاضره ومستقبله وبلده بثرواته جميعها، وقطعا هم يجسدون بفعلهم هذا مثلنا الدارج؛ (الخير للغير والزبل عالخانچي). وهم لايحتاجون دليلا جديدا أقدمه، فقد سجلوا في صفحات تاريخهم من الأدلة مالا تحتاج خبيرا جنائيا يكشفها.
وقد فات أولئك الساسة المشاركين في سباق ماراثون المصالح والمآرب الأنانية، ان كل متسابق له من النتائج إثنان لاغيرهما، فإما النجاح وإما الخسارة، إلا سباقهم فجميعهم لن يحصدوا غير الخسارة والخذلان، فأما الخسارة فهي من نصيبهم لأن هناك من يعمل جاهدا وبنَفَس وطني خالص لبناء العراق الجديد المعافى من سقم العقود السابقة، وأما الخذلان فان نصيبهم منه مزدوج، إذ هو في الدنيا حيث لم يفوا بوعدهم للعراقيين وخذلوا الأصابع البنفسجية الشريفة، وفي الآخرة حيث خذلوا قسمهم في أداء واجبهم الوطني والإنساني وابتعدوا عن شريعة السماء والأنبياء والأولياء بوجوب الحسنى بالرعية.
وبالعودة الى الشد والجذب، حيث يعيش العراقيون يوميا مع نشرات الأخبار وما يتجدد فيها من أحداث، مآسي صنعها لهم باتقان واصرار نفر من الدخلاء على السياسة والقيادة، إذ هم لايفقهون شيئا غير معارضة أي قرار أو قانون يصب في مصلحة المواطن، علاوة على كونهم بعد الأحداث الصاخبة الأخيرة أضدادا لمجالس البلد الرئيسة، حيث توقف الحال بانتظار رحمة تصالحهم مع بعضهم او تسامحهم لما بينهم من خلافات واختلافات لاتنتهي، كما أنهم يسعون دوما الى إثارة غبار بغية تعكير أجواء فضاء العراق الجديد قدر مااستطاعوا. وخير دليل على ضديتهم لمصلحة البلاد والعباد، هو التداعي الأخير الذي انزلق فيه مجلسا التشريع والتنفيذ، فمن غير المعقول ان يكون لدى الساسة وأرباب الكتل والأحزاب كمّ ولو قليل من الوطنية، ويقفون يتفرجون على الأوضاع كيف تتدهور..! وهذا ليس بجديد، فلطالما لمسنا منذ ثلاثة عشر عاما التلكؤ والتعثر في اجتماعات مجلس برلماننا، الذي ترتبط مصائر الملايين من العراقيين بما يطرحه وينتجه ويحققه من خلال أداء أعضائه واجباتهم. فصحيح أننا نرى صدق بعض الكتل وجديتها في تقديم الأفضل من خلال قراءة القوانين وبلورتها وإقرارها بما يصب في خدمة العراق والعراقين ،إلا أننا نلمس بصورة واضحة من جانب آخر تلكؤ كتل أخرى تشكل الأعم الأغلب، واتخاذها موقفا أقل مايوصف به ما أشار له مثلنا الشعبي القائل: (لو ألعب لو أخربط الملعب). موظفين بذلك كل اهتماماتهم وطاقاتهم ومجنديهم من الوزراء والوكلاء للوقوف ضد ثلاثين مليون عراقي، ليس لإبقائهم في مكانهم (محلك راوح) فحسب، بل للرجوع بهم (للخلف در) الى مربع ماقبل الأول، ليحلو لهم العيث فسادا بمقدرات البلد وخيراته، فمتى يعي هؤلاء أن من العيب والخزي والعار، أن يكون الخير للغير والزبل عالخانچي؟.