داعش هي نتيجة حتمية لتعريب الاسلام وفشل الطرح السياسي العربي

عندما تفشل الشعوب في بناء مستقبلها فالسبيل الوحيد للانتحار هو الهروب الى التاريخ واجترار احلامه لتصحو على كوابيس .


تحولت الشعوب العربية في عصر الخلافة الاسلامية ( الاموية والعباسية) الى رقم مهم على خريطة العالم السياسية , في وقت كانت متطلبات ادارة الدولة فيه بسيطة تشبه الى حد كبير ادارة عشيرة او قبيلة كبيرة , في عدم وجود تعقيدات سياسية تستصعبها . فادارة الدولة حينها كانت تعتمد على القيادة الفردية ( الخليفة او الوالي) وليست الجمعية التي تعتمد على مؤسسات تقود الدول الديمقراطية في وقتنا الراهن . وكانت تفتقر للعلوم السياسية التي تدار اعتمادا عليها الدول الان . فالسياسة انذاك كانت تنحصر في توقيتات اعلان الحروب وتوقيتات ايقافها وظروفها , اضافة الى كيفية نجاح الخلفاء في وئد المؤامرات التي كانت تحاك ضدهم في دهاليز قصورهم ذ فاتها . وبعد ان تغير مفهوم الدولة في العصر الحديث لم تستطع الشعوب العربية مجارات تلك المتغيرات ومواكبتها , مما جعلها تغرد خارج سرب العصرنة السياسية وتتحرك على هامشها .

ان المشكلة الرئيسة التي واجهت الشعوب العربية في ادارة الدولة الحديثة هي فشلها في التخلص من الهاجس التاريخي في طروحاتها السياسية لبناء دولها . , فقد استمرت الحكومات التي ظهرت في الدول العربية بعد الحربين العالميتين في الانطلاق من الموروث التاريخي للشعوب العربية الذي ينطلق من حكم شيخ العشيرة ويتصل وجدانيا بتركيبة الدولة الاسلامية القديمة في العهدين الاموي والعباسي , وبقيت اثار معالمها راسخة في العقل السياسي العربي كحكومات او احزاب معارضة . فقد تاثرالحاكم العربي المعاصر بشخصية خليفة المسلمين التاريخية , والذي كان محاطا بهالة من القدسية كونه خليفة الله ورسوله على الارض ومختزلا الدولة في شخصه , جاعلا نفسه وصيا على الشعب يقرر مايراه مناسبا بالنيابة عنهم . ورغم ان الحاكم العربي كان يقدم نفسه تقدميا علمانيا في اغلب الدول العربية , الا ان جينات الحكم الوراثي الذي رافق الدول الاسلامية ( الاموية والعباسية) برزت عندهم مع انهم كانوا يحكمون جمهوريات لا ممالك .

اما احزاب المعارضة في الدول العربية , فقد تراوحت بين تبني الفكر القومي العربي وتبني الفكر الاسلامي للنهوض بهذه الشعوب , و لم يختلف كلاهما عن الحكومات في التشبث بتلابيب الماضي والتاريخ . ولانها ليست على محك الحكم , فشطحت وانجرفت الى الماضي بشكل اكبر واكثر تاثيرا وقولبة.

فقد حاولت الاحزاب القومية حل الاشكالية التاريخية في طرحها فقدمت نفسها على انها البديل للفكر الديني في ادارة الدولة , واعتبرت الاسلام ثورة قومية استطاع العرب من خلالها ان يسودوا على الشعوب الاخرى . ودعت الى العودة لتلك المكانة لكن من خلال الفكر القومي هذه المرة , في ملازمة غير مقنعة بين الاسلام والعروبة . فاصبح الماضي التليد وامجاد التاريخ (العظيمة) هاجسا افردوا لها الكثير من الكتب والنظريات , متغافلين عن ان التوجهات القومية لبعض الخلفاء وردود افعال الشعوب الاخرى كانت السبب الرئيس في ضعف الدولة الاسلامية التاريخية , وتناسوا ايضا النقطة الجوهرية التي كانت وراء ازدهار الدولة التاريخية الاسلامية وهي تفاعل قومياتها حضاريا وثقافيا مع بعضها بغض النضر عن البعد القومي لهم , وبذلك فان الاحزاب العربية القومية ايضا تكون قد وقعت تحت تاثير العقد التاريخية وانتقوا منها اسوء ما فيها .

اما فيما يخص الاحزاب الدينية فقد تبنت الفكر الاسلامي باثر رجعي في ضرورة استتساخ تجربة الحكم الاسلامي التاريخي وتطبيقها على الوضع الحالي بحذافيره كي تستعيد الشعوب العربية مكانتها بين الشعوب المتقدمة ( كما تصوروا) . وكررت نفس النظرية التي تبنتها الاحزاب القومية وهي ان سبب ازدهار الشعوب الاسلامية قديما كان لتطبيقهم ما سموه باحكام الاسلام وشرعه , ولقد وضحنا سابقا بان سبب ذلك الازدهار لم يكن الا بسبب التلاقح الحضاري والثقافي للشعوب التي جمعتها تلك الدولة . اضافة الى ان ذلك الازدهار لم يكن يفوق كثيرا ازدهار الامبراطوريات الاخرى التي عاصرتها , فالامبراطوريات في اوروبا واسيا لم تكن باقل ازدهارا من الدولة الاسلامية , وكل ما في الامر ان الشعوب العربية هي من ارتفع شانها واصبحت في مستوى بقية الشعوب من خلال الدولة الاسلامية ليس الا.

وقدمت هذه الاحزاب الاسلامية النموذج الاكثر تخلفا في المجال السياسي واكثرها اغترابا عن العصر , في محاولة لجر الشعوب العربية وارجاعها الى قرون عديدة خلت , بدلا من تقديم طرح يتلائم مع تطور الفكر الانساني . وهو ما اشاراليه الكثير من منظري تلك الاحزاب في وجوب عدم تفصيل الاسلام على المتغيرات الحياتية , وانما ضرورة تطويع العصر لمباديء الاسلام وبالتالي للاسلام السياسي . فكفروا بمبدا الديمقراطية , وشيطنوا مبدء العقوبات الجنائية في القانون المعاصر , وسخفوا مباديء حقوق الانسان بمفهومها الحديث وفرضوا الرؤية الاسلامية عليها رغم عموميتها وبساطتها , وفرض الرؤية الاقتصادية البدائية للفكر الاسلامي على تعقيدات الاقتصاد العالمي الحديث . لذلك فقد سارت المجتمعات العربية باتجاه معاكس وبعيد تماما عن المجتمعات الحديثة .
وهكذا فشلت الشعوب العربية باحزابها وحكوماتها في تحقيق حياة كريمة وازدهار ملموس لشعوبها . وبدلا من مراجعة شاملة لهذه الاخطاء واعادة النظر في البنية الفكرية للمجتمعات العربية بغية معالجتها سياسيا وثقافيا , فقد علقت فشلها على شماعة الغرب الكافر(بمفهوم الاسلام السياسي) , او الامبريالية والصهيونية( بمفهوم القوميين العرب) ونشرت ثقافة الكره التي عمت الشعوب العربية حيال الاخر , كانت نتيجتها تاسيس المنظمات الاسلامية المتطرفة التي نشهدها الان , وما الاحصاءات التي تشير الى ان اكثر من خمس و ثمانون بالمائة من عناصر تلك المنظمات هم من المجتمعات العربية الا نتيجة حتمية لرؤية بدات بشكل خاطيء واستمرت في خطئها ليبتلي بها كل العالم وليست الشعوب العربية وحدها .