أنا والحزب الشيوعي‮ ‬‮ ‬9

 

 

كثيرا ما تختلط علينا الامور‮ ‬،حينما‮ ‬يكون الانضمام للحزب الشيوعي‮ ‬نابعاً‮ ‬من الايمان بالأفكار والقناعة بخط الحزب السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬يختلف عن الانتماء والانضمام الذي‮ ‬يكون ناتجا من تقليد لأب أو أخ او مجاملة أصدقاء لهم ذلك الفكر وينتمون الى الحزب الشيوعي،‮ ‬لا ننكر بأن هناك عددا‮ ‬غير قليل لم‮ ‬يكن‮ ‬يفهم الشيوعية ولا حتى‮ ‬يعرف مبادءها‮ ‬،لذلك كان‮ ‬يتفاجأ ببعض الطروحات ويستنكرها ومع هذا‮ ‬يبقى في‮ ‬داخل الحزب وهذا النفر الذي‮ ‬تحول من مؤيد الى‮ ‬غير مقتنع ويستمر بالعمل الحزبي‮ ‬يكون له تأثير سلبي‮ ‬عند المنعطفات الخطيرة‮ ‬،في‮ ‬يوغسلافيا كان الشيوعيون ايضا من النوعين‮ ‬،قسم حريص على الجبهة بالرغم من تصرفات السفارة والبعثيين المعادية للشيوعيين ومنها سحب الجوازات من البعض‮ ! ‬اخرون كانوا‮ ‬يرفضون الجبهة قد‮ ‬يميلون الى عزيز الحاج والقيادة المركزية حتى لو كان عزيز الحاج قد انتهى كشيوعي‮ ‬وعين في‮ ‬اليونسكو كممثل لسلطة البعث،‮ ‬اما رفاقه الاخرون فكان الارث ثقيلا‮ ‬،فلا‮ ‬يستطيعون الرجوع الى اللجنة المركزية‮ ‬،لأن الحزب الشيوعي‮ (‬زعله‮) ‬مع الانشقاقيين‮ (‬وحش‮) ‬ولن‮ ‬يكونوا قادرين على اعادة تنظيمهم السابق‮ ‬،لذلك‮ ‬يبقون في‮ ‬الظل‮ ‬ينتقدون الشيوعيين في‮ ‬اللجنة المركزية ويتصيدون أخطاءهم التاريخية وهل هناك افضل من انتقاد الحزب الشيوعي‮ ‬وهو‮ ‬يتحالف مع الفاشية‮ (‬البعث‮ )‬التي‮ ‬قتلت خيرة ابناء الحزب في‮ ‬عام‮ ‬1963 وجاءت بصيغة اخرى تصفي‮ ‬بالقيادات النشطة‮ (‬محمود شاكر‮) ‬والاعضاء والرفاق المؤثرين في‮ ‬قواعد الحزب في‮ ‬سبعينات القرن الماضي،‮ ‬وكلما تحدث كارثة بالحزب الشيوعي‮ ‬يقول هؤلاء نحن‮ (‬القيادة المركزية‮) ‬وقد نصحنا‮ (‬جماعة اللجنة‮) ‬ولن‮ ‬يسمعوا نصيحتنا،كان الاحتكاك بين المجموعتين‮ ‬يسبب الازعاج لي‮ ‬بينما ارى الارتياح على بعض البعثيين،في‮ ‬زيارة لطلبة من اليمن الجنوبي‮ ‬كانوا‮ ‬يدرسون في‮ ‬يوغسلافيا،‮ ‬قالوا نحن جربنا البعث وليس عندهم عهد ولا وعد واي‮ ‬تحالف معهم نتيجته الفشل وقتل الشيوعيين‮ !‬في‮ ‬يوغسلافيا استطعت ان اتعرف على الشيوعيين من دول عربية‮ ‬،فهناك كان البعض من السودان‮ “‬ونكبتهم كبيرة بأعدام قادتهم المحجوب ورفاقه‮”‬،ومن مصر”والغصة تملأ انفاسهم لحل الحزب الشيوعي‮ ‬في‮ ‬عهد عبد الناصر وبقاء الحزب في‮ ‬المجال الثقافي‮ ‬فقط‮”‬،ومن سوريا”وهم‮ ‬يرون خالد بكداش‮ ‬يذوب حزبهم رويدا رويدا في‮ ‬حزب البعث‮”‬،‮ ‬وحينما‮ ‬يجتمع الشيوعيون تحس بأن كلامهم موحد‮ ‬،احدهم‮ ‬يكمل للاخر الفكرة والتحليل والكلام‮ ‬،نفس المصطلحات والتوصيف،والكل مضطهدون في‮ ‬بلدانهم بينما كنا نحن ندعي‮ ‬الافضلية وكانوا‮ ‬يقولون لنا لا تفرحوا كثيرا بهذه الزواج‮ (‬المؤقت‮) ‬مع البعث فبعد المتعة‮ ‬يأتي‮ ‬العذاب‮ !‬كانت الجبهة تحتم على الفريقين‮ (‬الشيوعي‮ ‬والبعثي‮) ‬ان‮ ‬يمثل احدهم على الاخر،‮ ‬لذلك حينما اردنا الاحتفال بعيد تأسيس الحزب‮ ‬31/آذار تم دعوة اعضاء السفارة العراقية والرفاق البعثيين لمشاركتنا بهذا الاحتفال‮ ‬،حتى نسمح لأنفسنا المشاركة في‮ ‬احتفالات‮ ‬7 نيسان عيد تأسيس حزب البعث‮ ‬،احتفالات حزبنا كانت في‮ ‬مطعم وسط عاصمة‮ ‬يوغسلافيا‮ (‬بلغراد‮) ‬ولم‮ ‬يخل الاحتفال من منغصات،‮ ‬وحينما تدور الخمرة في‮ ‬راس البعض لا‮ ‬يستطع ان‮ ‬يحبس دموعه ونحن نغني‮ ‬اغاني‮ ‬عراقية كلها الم وحزن وحب واشتياق وفراق،‮ ‬اغانيا عن الام وحنانها،‮ ‬اغان سياسية تتغنى بحب العراق وعشق ترابه ونخيله وأزقته وشواطئه(الي‮ ‬يمشي‮ ‬بدربنه شيشوف‮/ ‬لو موت لوسعادة‮)‬،‮ (‬لا تسألني‮ ‬عن عنواني‮ ‬في‮ ‬كل العالم عندي‮ ‬عنوان‮) ‬كل هذا الحماس العاطفي‮ ‬وهناك من لا‮ ‬يقدر ان‮ ‬يرجع او‮ ‬يزور العراق،‮ ‬او ممن تم سحب جواز السفر منهم من قبل السفارة!وسرعان ما‮ ‬يتحول العراقي‮ ‬من المرح الى الحزن‮ !‬اما احتفال البعث فكان في‮ ‬احد المسارح الكبيرة في‮ ‬بلغراد‮ ‬،نحن اعتمدنا على قابلياتنا الفنية وكانت حفلتنا رائعة‮ !‬وهم استعانوا بأستئجار فرق شعبية‮ ‬يوغسلافية وكانت حفلتهم فاشلة‮ .‬لم اكن مرتاحا في‮ ‬فترة اقامتي‮ ‬بهذه الدولة،‮ ‬فلا انا مرتاح في‮ ‬السكن مع العائلة اليوغسلافيا اتقاسم الغرفة مع احد الاصدقاء من البصرة وكان بعثيا‮ ! ‬ولم اجد الراحة في‮ ‬تعاملي‮ ‬مع الشيوعيين الذين كان بعضهم مستفزا ويبالغ‮ ‬في‮ ‬اظهار عدائه للعراقيين من البعثيين وحينما نناقشهم وننتقدهم‮ (‬يقولون اننا ليس في‮ ‬العراق‮) ‬كان علي‮ ‬ان اقرر اما الاستمرار ونسيان العراق او حتى التفكير بزيارة الى الاهل حينما اشتاق لهم لأنهم‮ ‬يرصدوننا وتنتقل كل تحركاتنا الى المخابرات العراقية،‮ ‬وبالتالي‮ ‬البقاء للابد او لأن فكرة سقوط البعث كانت مستبعدة‮!‬،‮ ‬او التفكير بالعودة وممارسة الحياة التي‮ ‬تعودنا عليها‮ ‬،وكانت توفر لنا المتعة اكثر مما توفره هذه الدولة الاوربية،‮ ‬وهذه هي‮ ‬الضريبة التي‮ ‬يدفعها من‮ ‬يؤمن بالحزب وينتمي‮ ‬اليه بقناعة‮ ‬،‮ ‬فلا‮ ‬يستطع ان‮ ‬يترك الحزب وعليه ان‮ ‬يتحمل ثمن الانتماء وممارسة النشاط الذي‮ ‬يعدونه معاديا للنظام‮ ‬،وكنا على قناعة كاملة في‮ ‬حالة تم اعتقالنا او حتى اعدامنا لا‮ ‬يملك الحزب منع ذلك او التفريط بالجبهة من اجل فقدان بعض الرفاق في‮ ‬مسيرته التاريخية‮! ‬قلت لمسؤولي‮ ‬الحزبي‮:- ‬سأرجع الى العراق ؟ سألني‮:- ‬وماذا ستفعل هناك؟ قلت له‮ :- ‬ارجع الى المعهد الذي‮ ‬تركته!مسؤولي‮ ‬كان لا‮ ‬يستطيع العودة للعراق بالرغم من وجود الجبهة‮ ! ‬ضرب بيده كتفي‮ ‬قائلا بمرارة‮:- ‬يا ريت عندي‮ ‬فرصتك واستطيع العودة الى العراق،‮ ‬أنصحك بالرجوع قبل ان‮ ‬يكون لك ملف ضخم في‮ ‬المخابرات العراقية وقد‮ ‬يلاحقونك وانت في‮ ‬خارج العراق وبالتالي‮ ‬عليك ان تشطب العراق من تفكيرك‮! ‬هناك اشياء تتخلص منها لتحتفظ بقناعاتك الفكرية،‮ ‬كنت سعيدا لأنني‮ ‬اضحي‮ ‬بهذه الفرصة من اجل مباديء‮ ‬،فهل كان الحزب ايضا‮ ‬يقدر مثل هذه التضحيات او‮ ‬يجدها‮ ‬غير ذات اهمية‮ ‬،لأن بعض الرفاق‮ ‬يقدم حياته مقابل الفكر وحتى لا‮ ‬يخذل الحزب‮ !‬